TOP

جريدة المدى > عام > أكتب لاستحضار روح أو شبح القارئ الناقد

أكتب لاستحضار روح أو شبح القارئ الناقد

نشر في: 8 مايو, 2017: 12:01 ص

ليس مهـــماً أن تكتب في جوهر المحنة أو تســـبح في لجة عتـــامة محيطها المثلوم بالخيبة المـخترقة لبواطن الحلم البــعيد والنابت فــي عـــظام التشكّل الوجودي للكتابة، بل المهم هو أن تخترق خـاصرة المــــعنى، ذلـك في مـــــــمارسة التخــــيّل على حافة الم

ليس مهـــماً أن تكتب في جوهر المحنة أو تســـبح في لجة عتـــامة محيطها المثلوم بالخيبة المـخترقة لبواطن الحلم البــعيد والنابت فــي عـــظام التشكّل الوجودي للكتابة، بل المهم هو أن تخترق خـاصرة المــــعنى، ذلـك في مـــــــمارسة التخــــيّل على حافة المرحلة، ولأن حـاولنا النبش في ركام الأزمنة  سنقرّ حتماً بخطورة الحــواف ناهيك عن الكــــتابة عنها، إذ في المراحل ينسحب الجـسد الإشـكالوي للمحنة إلى حافة مرحلته، مُرتّبا بذلك خيبات ترهله إلى أطــنان لــحم مُكدّسة.  

ولكي يصل إلى سرّية الجريمة، ما على الكاتب سوى الإتيان بسكاكين التخيّل للبدء في تشريح محنته، حينـها سيكتشف أن مفهوم العمل السردي تجاوز ثنائية اللــغة والمعنى، وانقلبت الطاولة وشُطبت المقاييس جميعهاً،وأصبح التعامل مع المرحلة كتابياً، يُعدّ مؤامــرة على المـــخيال قـبل التفكير في التآمر على الواقع بكل بشاعته وبؤسه الحادّ؟ من هذهِ الرؤى ينـــطلق الــكاتب والروائي خضير الزيدي بحفرياتٍ كتابية غير مستهلكة ليُعطي للكتابةِ تشكّلها الراهن. لذا أجد أن محاورته خــطوة مهمة لاستغوار عوالم الكتابة المعاصرة.
* هل استطاعت الرواية العراقية تأكيد حضورها في زمن المتغيّرات الثقافية كالسوشيال ميديا وغيرها من وسائل الاتصال المتاحة ؟
- الرواية العراقية تعيش زمن نهضتها المنطلقة بقوة نحو تثبيت خطواتها عالمياً، ومن المؤكد أن تتناغم هذه النهضة مع الانفجار المريع لثورة الاتصالات، فقد تناغمت الرواية العراقية مع شبكات الميديا المتعددة، اتابع ما ينشر بشكل جدي من قصص حديثة ومقاطع روائية وحتّى الرؤى التي يبثها الكتاب، مثلي كحال بقية المتابعين من الكتّاب والقرّاء، حتّى جمهرة القرّاء باتت تتواصل مع الكتاب بشكل مباشر عبر التراسل وسماع الآراء في شكل ونوع الكتابة، لا يمكن للكاتب اليوم العيش  منزوياً بعيداً عن التواصل مع الآخر عبر السوشيل ميديا فهي حلقة الوصل مع القارئ، كما تمثّل لي الكتابة الرواية ليست توثيقاً للحظة العراقية الحالية فحسب، إنما هي بمثابة مضاد حيوي فعّال ضد المأساة الدامية التي نرفل بها، بمثابة مضاد حيوي ضد الجنون الذي ينطّ برأسه ويمط لسانه بين حين وحين، اكبح سرب مغريات الجنون بالكتابة.
ثانياً ثمّة جمهرة واسعة من القرّاء باتت تقرأ بشكل متواصل بطريقة القراءة الالكترونية وبشكل يومي، خاصة المهاجرين منهم في بلدان الغرب، فهم يرومون التواصل مع البلد عبر المرويات الأدبية الجديدة.
* الحصار، الحرب، الطائفية، ثيمٌ بارزةٌ ألقت بظلالها على سرديات المرحلة، مُحولّةً السرد العراقي إلى زيٍّ موحّدٍ بنظر القارئ النهم ، باعتبارك في قلب اللعبة السردية، ما رصدك للحالة ؟
- من الطبيعي أن يؤثر الفضاء في خاصية المهيمنات الفكرية ثم السردية على الكاتب، انا استغرب كثيراً من مقولة البعض بأن الروايات العراقية تتشابه في موضوعاتها الحروب والحصار ثم التمزق الطائفي والحرب الأهلية التي دارت منتصف العقد الأول من الالفية الجديدة، واذا لم يكتب عن هذه المواضيع، فماذا يكتب. عن أزمة الوجود وضياع الإنسان فالحرب ثيمته فيها، عن الماضي العراقي المأسوف عليه فالحصار قد ضرب عرض الحائط كل البنية الاجتماعية التحتانية، واذا ما كتب عن السعادة الفردية، فشبح الطائفية قد مزّقت بمخالب شرسة كل الانسجة الاجتماعية للعلائق ما بين البشر في العراق. أجد أنه من الطبيعي أن تكون الثيم الدرامية في السرد تدور في هذا الإطار ولا ضير في ذلك، لكن المشكلة في لب المعالجة الدرامية للتاريخ المعاصر وزوايا النظر المختلفة للأحداث وطرائق فحص الحكايات والمرويات.
* "فاليوم عشرة"، روايةٌ قاعيّةٌ بامتياز،هل تعتقد أنّ المحنة العراقية بحاجةٍ لسرديات من هذا النوع، خصوصاً وهي أوّلُ رواية تتناول قصة انهيار الجيش العراقي في المحافظات المنكوبة التي عمّها الخراب الهمجي؟
- "فاليوم عشرة" هي الرواية السابعة ضمن مشروعي الروائي الذي لم يكتمل بعد، الرواية قد حاولت في بنيتها السردية تدمير الأساليب الكلاسيكية في البناء السردي التقليدي، وقد عملت فيها تقنية التقطيع السينمائي لقراءة الحدث الأبرز ما بعد حزيران 2014، واسميته بعام النكسة العراقية عندما ابتلعت الموصل، ثم توالت الكوارث بمتتالية حزينة. الرواية حققت حضوراً طيباً عند جمهرة القرّاء، لكن المشكلة تكمن في عدم المواكبة النقدية ليس لها فقط، إنما لكل الروايات العراقية الجديدة. أما لماذا استندت الرواية الى الشرائح القاعية، فذلك هو شغفي المستديم في مجتمعات القاع، فإذا اردت أن تعرف المجتمعات على حقيقتها فما عليك إلا نبش قاعها التحتاني. روح الحياة تكمن في اسرار المغيبين والمنسيين الذين يعيشون على هامش الحياة، كيف نتعرف على عام النكسة العراقية إذا لم نعرف كيف يفكر البسطاء في الباب الشرقي والبتاوين على معنى وتأثير النكسة على تفكيرهم.
* متى نكتب رواية تشبهنا، وهل النقدية العراقيّة قادرةٌ على تقبّل مرويّات مخالفة لمقاساتها المصطلحية المُستعارة ؟
- اكتب وفق مقاساتي وما يؤثر بي واتفاعل معه بل أذوب في تفاصيله، لا أكتب رواية وفق مزاج القارئ، فالأمزجة محكومة بالانقلاب وفق محددات يومية انفعالية، لا يوجد كاتب في العالم يكتب ليشبه القارئ حسب فهمي لمزاج الكاتب القارئ، لكن الكاتب يستحضر أرواح روح القارئ، وهناك ثلاثة نماذج من القرّاء يستحضرهم الكاتب، أما القارئ البسيط ذو الثقافة المحدودة الذي يبحث عن الامتاع الحكائي من الرواية، أو القارئ المثقف الذي يحضر كشبح يحرف مجرى الكتابة بلاوعي الكاتب لتنتج لنا رقعة ثقافية يغلب عليها ثقافة الكاتب، والنموذج الثالث يستحضر الكاتب روح أو شبح القارئ الناقد، أيضاً سيحرف التلقائية الحكائية لتنتج لنا روائية تقنع القارئ الناقد وتخيب أمل القارئ المثقف وقارئ المتعة، والأجدر حسب قناعتي أن يجلس الثلاثة على رقعة الكتابة لينصتوا إلى الكاتب في بوحه، طبعاً العملية معقدة أكثر من الحديث بها، ولا تكفي التلقائية في طريقة الكتابة انتاج الرواية الناجحة.
* ثمّة من يقول أنّ الروايةَ هي جنسٌ غربيٌ بحت، السؤال ،هل ثمّة أعمال عراقيّة تدحض ذلك؟
- سواء أكانت جنساً غربياً أم شرقياً، فهي المدوّنة الشعبية في عالم اليوم، ألف ليلة وليلة كمدوّنة حكائية شرقية هي أقدم أسلوب حكائي سردي، أما تطور الرواية العالمية، فثمّة من ينظّر ويحتضنها عالمياً، نحن كشريحة كتّاب عراقيين يومياً نهاجم من الحقل النقدي المتقاعس عن مواكبة النهضة الروائية العربية والعراقية، الناقد العربي والعراقي الاكاديمي قد وضع مسطرته في غمدها يستلها لتطبيق مقاسات ما تعلمه من الجامعة ليطبقه على الرواية من دون النظر والفحص الإبداعي الكفيل بمواكبتها.
* ما نسبة انوجاد المحلي في مشغلك الكتابي؟ وهل المرويّات العامّة هي دليلٌ على اعتمادك مخــــــيالاً أنثربولوجياً حديثاً مهمته توجيه الهامش للتصريح بجمالياته؟
- الهامش يطغى على المركز بل صارع المراكز كلها وانتصر عليه، هكذا يحدث في العالم كله وبخاصة في أدب ما بعد الحداثة، لم تعد بلاطات الملوك وقصور الرئاسة تهم القارئ اكثر من اسرار بيوت العشوائيات وبيوت الحواسم، كذلك حكايا اسرار المراهقات في السطوح والرسائل السريّة في دفاترهن المدرسية هي السبيل لفهم الحياة الاجتماعية، الانثروبولجية الأدبية هو حقل ما زال في بداية الطريق لكنه سينطلق بقوة في السنين اللاحقة، علم الانسنة هو المجهر والعدسة الفاحصة لكل انفعالات / مزاج/ روئ/ حياة البشر وستتسيّد كل المرويات الروائية المستقبلية في العالم لكن بعد حين.
* ما مدى حضور الجسد وتشكّله فيما تكتب، وهل تمكّن الزيدي، من خلق جسدهُ السردي المُزاحم لجسدك العراقيّ الضائع بين المُفـــخخات ورصاص القتل على الهوية ؟
- لم يعد عندي الجسد تمضهراً مادياً بكل امتداداته وعنفوانه وصخبه ولذائذه المكبوتة منها أو تلك المعلنة الجائزة، انما هو خريطة سرية لاكتشاف العالم الخارجي من خلال تنطيقه أو مغازلته أو محاكاته ككائن خارج عن نطاق الانا المادية، اكتشاف أدب الجسد في ما بعد الحداثة كثقافة ما ثلة لها تمنطاقاتها أو اشهاراتها، ذلك اقسار جبري، لا احتمله ككاتب يحاكي الجسد كموضوعة فلسفية حداثية تكشف القارة المجهولة من امتداداته. افكر في اجبار الجسد على تدمير مغرياته كلها لانتظر المعطى الخيالي منه، مرات كثيرة اجعل جسدي الشخصي في حالة صوم كبرى للذائذ، وفي تلك الحالة اجد ثمار الصوم الروحي والجسدي والصراع بينهما كحكم بين الاثنين.
* "شاي وخبز" هو كتابك الأخير الصادر عن دار سطور، كلمنا عن مناخاته المعرفية، وهل الكتابة الإنثوغرافية تتلاءم ودعوات المعاصرة ؟
- "شاي وخبز" هو نمط من الكتابة التي تحمل المجازفة في الثقافة العراقية، تلك التي اعتادت القصة والشعر والرواية ومشاكستها بنوع أدبي مخالف وغير مجنّس تحت واحدة من تلك الاشتراطات يعتبر ضرباً مخيفاً من المجازفة. الحكاية الانثوبولجية هي المجازفة الحقيقية في "شاي وخبز"، لكن يبدو لغاية الساعة، ثمّة اقبال رائع على حكايات الأزياء والطعام والسكن، وربما ستتطور هذه المجازفة لتكون مشروعاً واسعاً في المستقبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة
عام

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

د. نادية هناوي جددت المدرسة الانجلو أمريكية في بعض العلوم المعرفية كعلم النفس اللغوي وفيزياء الأدب وعلوم الذكاء الاصطناعي أو أضافت علوما جديدة كانت في الأصل عبارة عن نظريات ذات فرضيات أو اتجاهات كعلوم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram