adnan.h@almadapaper.net
ليس واضحاً تماماً السرّ الكامن وراء هذه الموجة من إنشاء المزيد من المطارات في المحافظات، فيما تُهمل قطاعات رئيسة في النقل كالسكك الحديد .. هل هو مجرد تلبية لحاجة تفرض نفسها أم أن وراء الأكمة ما وراءها من مطامح ومطامع بمغانم شخصية وحزبية، كما هو الحاصل في سائر القطاعات الاقتصادية والخدمية؟
ما عاد السفر بالجو ترفاً، لكنّ التركيز على السفر الجوي على حساب خدمات النقل الأخرى ليس بالأمر المفهوم.
يرجع تاريخ السكك الحديد والنقل بالقطارات في العراق إلى أكثر من مئة سنة، فالقطار جاء مع المحتلين البريطانيين الذين دخلوا في العام 1914. قبلها كانت هناك خدمة ترامواي في بغداد يعود تاريخها إلى عهد الوالي العثماني مدحت باشا (1869 – 1872)، بيد أن خدمات السكة الحديد اليوم هي في أدنى مستوياتها وأسوأ أحوالها.
كان القطار في العراق وسيلة رئيسة لنقل الركاب والبضائع (النفط والحبوب والتمور وسواها، فضلاً عن المستوردات بكل أصنافها) بين جنوب العراق ووسطه وبين هذا وشماله، بل كانت هذه الخدمة عابرة للحدود... فما هي الحال اليوم؟
أمس دخلتُ إلى الموقع الالكتروني للشركة العامة للسكك الحديد، فوجدتُ فيه معلومات قديمة عن جدول حركة القطارات. آخر جدول يعود إلى ما قبل شهرين (السابع من آذار/ مارس الماضي)، يتبيّن منه أن هناك قطارين للركاب يعملان بين بغداد والبصرة. وفي معلومات أخرى يظهر أن عدد المسافرين يوم 25 الشهر الماضي كان 561 مسافراً ارتفع في اليوم التالي إلى 750 مسافراً لكنه هبط في الأول من الشهر الحالي إلى 296 مسافراً فقط.
على الطرق البرية "السريعة" بين المحافظات و"البطيئة" داخل كل محافظة، يلحظ المسافر مئات الشاحنات الكبيرة المتوقّفة عادة عند نقاط التفتيش تنوء بأحمالها المفرطة التي ساهمت في تخريب هذه الطرق.
في الاسابيع الأخيرة كثُر النشر عمّا يتعرض له سائقو هذه الشاحنات من عمليات ابتزاز في نقاط التفتيش وعند المنافذ الحدودية وبين هذه وتلك، ويضطرّ السائقون وأصحاب الشركات إلى دفع الاموال في سبيل عدم حجز الشاحنات ببضائعها أياماً وأسابيع.
الطرق المُخرّبة التي تسير عليها هذه الشاحنات تتسبّب في تلف سيارات النقل الصغيرة، ما يؤدي إلى شراء كميات هائلة من الادوات الاحتياطية، بمئات ملايين الدولارات سنوياً.
باختصار إنه نزيف قوي لدم الاقتصاد الوطني لا يدانيه غير النزيف الناجم عن عمليات غسل الأموال وتهريبها الجارية على قدم وساق في هذي البلاد.
وزارة النقل مهتمة كثيراً هذه الايام بانشاء مطارات في المحافظات، بما فيها مطارات مائية (!)، كما نُشر في الايام الاخيرة.
تحديث شبكة السكك الحديد وتوسيعها والاستثمار فيها أكثر أهمية من الاستثمار في المطارات المحلية. إذا كان لدى وزارة النقل فائض من النقد السائل فلتوجهه إلى هذا القطاع ذي الجدوى الاقتصادية والاجتماعية العالية، فضلاً عن قطاع النقل البرّي.