بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الروسية، صدر هذا الشهر (ايار 2017) كتاب للمفكر طارق علي بعنوان (معضلات لينين.. الإرهاب، الحرب، الإمبراطورية، الحب والثورة)في نهاية حياته، كتب لينين "لم نكن نعرف كل شيء"، معترفا بالمعضلات التي واجهها على طريق
بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الروسية، صدر هذا الشهر (ايار 2017) كتاب للمفكر طارق علي بعنوان (معضلات لينين.. الإرهاب، الحرب، الإمبراطورية، الحب والثورة)
في نهاية حياته، كتب لينين "لم نكن نعرف كل شيء"، معترفا بالمعضلات التي واجهها على طريق الثورة في عام 1917 وما بعده. في هذا الاستكشاف غير المعتاد للأزمات التي تغلب عليها لينين، والقرارات التي اتخذها، والإجراءات التي اتخذها، يكشف طارق علي عن صورة سياسية ثاقبة لهذا الزعيم المثالي. ومنذ أول شعلة اتقدت في الحراك الثوري، سعى لينين لايجاد الإجابة الصحيحة على سلسلة من المعضلات التي واجهها والتي ما يزال يتررد صداها بيننا حتى يومنا هذا: هل الإرهاب هو تكتيك مفيد؟ هل يمكن دعم الحروب الامبريالية؟ ما هو نوع الحزب السياسي الذي نحتاج إليه؟ ما هو المبرر الأخلاقي للاستيلاء على السلطة؟ كيف يتغلب المرء على عبء التاريخ؟ ما هو الدور الذي تلعبه الصداقة أو الحب في الثورة؟ كيف يمكنك إنشاء إرث يستمر؟
ويكشف علي أنه لا يوجد مفكر معاصر آخر عدا لينين من فهم بشكل أفضل، وبشكل أكثر وضوحا، الحاجة إلى تغيير العالم. ولكن هل أفكار لينين، كما أعرب عنها في أفعاله وكتاباته السياسية، ما تزال لها أي أهمية بالنسبة لنا؟ في هذه السنة المئوية من الثورة الروسية، يثير هذا الكتاب أسئلة مهمة تتعلق بالتمثيل السياسي والمؤسسات الشعبية اللازمة للتصدي للرأسمالية
يختتم المفكر طارق علي، تقديمه الطموح لكتاب طموح على قدم المساواة، بالاشارة الى قصيدة فلاديمير ماياكوفسكي محادثة مع الرفيق لينين، وهي واحدة من آخر القصائد التي كتبها الشاعر قبل انتحاره. يصب ماياكوفسكي فيها كل العاطفة والمرارة والأسف والأمل والغضب والإرهاق من داخله، وبالتالي، لا يزال لينين مبهم وصامت، غائب حتى وهو حاضر، شبح محاصر داخل إطار صورة، معلقة على جدار أبيض. "بدونك، كان يمكن ان يضيع الكثير هكذا رثاه ماياكوفسكي
في هذا العام، الذكرى المئوية للثورة الروسية، فان الاحتفالات بما يمكن وصفه بأنها أهم ثورة شعبية في التاريخ - نعم، يمكن للفرنسيين أن لا يوافقوا على ذلك – قد تم التكتم عليها . إن حكومة بوتين تستعيد الحنين الى العصر السوفياتي فقط عندما يكون مفيدا لها، وطالما ظل الحزب الشيوعي الروسي قوة معارضة كبيرة، لن تكون هناك نصب تذكارية رسمية للبلشفية في البلاد التي تحولت عنها. وفي الوقت نفسه، بينما تواجه الولايات المتحدة الاضطرابات الغريبة الخاصة بها،فان لينين لا زال غير مفهوم الى حد بعيد . ثورة 1917، جنبا إلى جنب مع مهندسها، موجودة في الوقت الحاضر بشكل أكثر وضوحا في صفحات الكتب.
كتاب معضلات لينين هو في حد ذاته معضلة: هل هو سيرة حياة لينين، أم دراسة جدلية لفكره؟ هو على حد سواء لاهذا ولا ذاك. هذا ليس انتقادا. فهو أكثر الدراسات عمقا في فكر لينين وفي كثير من الأحيان اكثرها تصويرا للواقع، حيث أن هذا الموضوع المخيف يتطلب استيعابا متعدد التخصصات. لوضع لينين "في السياق التاريخي السليم"، فان دراسة طارق علي تشمل وصفا موجزا لحياة لينين، ودراسات موجزة ومكثفة للشعبوية، والفوضوية والإرهاب الثوري في القرن التاسع عشر، وهو بحث متماسك وذو انتقائية لتاريخ تيارات الاشتراكية الأوروبية والأميركية، وتفسير مسهب للإمبراطوريات والاممية خلال الحرب العالمية الأولى، وبطبيعة الحال، يأخذ في الحسبان ضخامة ما هو غير مفهوم حتى الآن من التاريخ الثوري الروسي.
وباعتباره مفكرا جدليا، فقد شرح طارق علي جوانب كثيرة من الماركسية بعبارات بسيطة)، وفي حين أن هناك جوانب تاريخية اكثر شمولا فان طارق علي يقدم موضوعه مع تفاصيل كافية لتوفير السياق التاريخي لكل من لينين ولحججه حول لينين التي يرغب في تقديمها.
وكثيرا ما تكشف تقييماته لينين الكثير عن الكتاب الذين اثنى عليهم. فتروتسكي، كان شخصا جدير بالثناء ولكنه وقع ضحية التحريفية ، واندفع تروتسكي الى مزيد من التحريفية. و إدموند ويلسون، الذي اعتبره مفكرا بطوليا، و"مديرا" للثورة
. إن كتاب معضلات لينين هو بلا شك يدافع عن الرجل، ويقدم تحليلا محدودا للإرث الهائل والدموي والمعقد الذي تركه. وطارق علي ليس لديه وقت ل "عبادة" الصنم التي تحيط الثوريون. وفي وصفه كيف كانت جثة لينين "محنطة"، كان الاشمئزاز واضحا عليه. وبالمثل، كان لديه ازدراء لأولئك الذين يقولبون لينين في هيئة منظر، دون أن يفهموا أن نظريته لم تكن تهدف الى شيء أبدا سوى أن تكون نموذج عمل، وقد يكون معيبا ومشوشا، لكنه يلائم فقط الأوقات التي عاش فيها. كما كتب هو في اواخر ايامه "لم نكن نعرف كل شيء".
أقسام السيرة الذاتية بصراحة هي الأكثر إثارة، والفصل المكرس لأخيه الأكبر ساشا، الذي شنق وهو في الحادية والعشرين من العمر لاشتراكه في الانشطة الثورية، يقدم أعظم تحد لطارق علي. لقد سعى المؤرخون وكتاب السيرة والمحللون النفسيون وعلى مدى عقود إلى فهم تأثير وفاة ساشا على لينين، الذي لم يذكر شقيقه مرة واحدة في أي من كتبه أو مراسلاته أو خطاباته. استنتاجات طارق علي في هذا الصدد هي تقليدية، ولكنه تجنب التكهنات السائدة والتي انغمس الكثيرون فيها. فمقتل أحد أفراد أسرته على يد النظام القيصري، وردود الفعل التي قد تلهم لينين في النضال، ليست مشاعر سهلة يمكن تخيلها، ولا ينبغي أن تكون .
لم يكن علي كاتب نثري نموذجي، وكذلك كان لينين. فهو صريح في كتاباته ومباشر، ومثابر، على الرغم من انه للأسف كان يبالغ في شاعريته (فهو ليس ماياكوفسكي). والعديد من استنتاجاته قابلة للنقاش - وربما يكون النقاش هو النقطة الاهم - ولكن في تحقيق السياق التاريخي الذي سعى إليه، فان طارق علي لم يرسم صورة للينين فحسب، بل كان يصف ما شهده لينين.
فقد رأى كيف تتحارب الإمبراطوريات وكيف تدمر نفسها ، تصر على مواقفها في عناد احمق وتعيش أوهام استرجاع قوتها . ورأى أن النظم القديمة غير عادلة كما هي غير صالحة للعيش وكانت قوة دفعها مغمسة بالدم ورأى ان ما كان لا يمكن تخيله او توقعه بدأ يتحقق بالفعل وان العالم يسير نحو المجهول
والكتابة عن لينين هو موضوع تناوله الكثيرون . وهذا يعكس الدور الاستثنائي الذي لعبه لينين في الثورة الاشتراكية الوحيدة التي حدثت حتى الآن في تاريخ الرأسمالية. وقد تعرض جميع الكتاب الذين حاولوا عرض ما كتبه لينين فعلا، الى محاولات لاكراههم على تغيير استنتاجاتهم من قبل المؤرخين ايام الحرب الباردة، وشوهت اراؤهم وطمرت في الحقبة الستالينية بذريعة إعادة كتابة تاريخ البلشفية والثورة الروسية.
وطارق علي هو واحد من هؤلاء الكتاب، مع ميزة إضافية أنه يدافع عن ثورة أكتوبر 1917 كثورة جماعية، ويدافع بنطاق أوسع على التقاليد الثورية. هناك ثروة من المعرفة التاريخية المعروضة في جميع صفحات الكتاب، بما في ذلك الملاحظات التي كتبها المؤلف اثر زياراته الخاصة الى روسيا.
الكتاب ليس دليلا للناشطين، مثل الكتاب ذو المجلدات الأربعة لتوني كليف على لينين، ولا عرض واضح لأفكار لينين كما هو الحال في كتاب لارس لي (العادة اكتشاف لينين ) وبالتالي لا ينبغي للقارئ أن يتوقع نظرة ثاقبة في السياق التاريخي مثل الذي قدمه كليف حين عرض لأفكار لينين في جداله مع الآخرين
هناك تفاصيل مثيرة للاهتمام منتشرة في جميع صفحات الكتاب، على سبيل المثال في احد الفصول يكشف المؤلف دور الرئيس الأميركي ويلسون في تمويل الجنرالات البيض الرئيسيين الذين حاولوا هزيمة الثورة عسكريا.
ولدى طارق علي أيضا كلمات قاسية عن الإمكانات الضائعة للتضامن من العمال النمساويين بسبب استسلام الزعيم الديمقراطي الديموقراطي أوتو باور للشوفينية الوطنية وتخليه عن المنظور الثوري.
الكتاب مبني حول خمسة مواضيع أو معضلات غالبا ما تتداخل في السياق التاريخي. وهذا من شأنه أن يجعل السياق التاريخي صعبا على أي شخص لم يطلع على مسار الثورة الروسية والمناقشات في الحركة الثورية.
القسم الخاص بالمرأة يخصص جزءأ غير متكافئ للحديث عن العلاقة الشخصية بين إنيسا أرماند ولينين، وهو أمر يتنافسه المؤرخون (لعل طارق علي على حق في ذلك)، ولكن هذا بالتأكيد كان معضلة شخصية وليست سياسية. وفي الوقت نفسه، لا يفوت طارق علي أن يذكر أن إنيسا أرماند كانت مديرة زنوتدل، وهو لجنة المرأة التي أنشأتها الحكومة الثورية.
والأهم من ذلك أن طارق علي يلقي باللوم على المحافظين بعد عام 1930 من أجل إعادة إنشاء الأدوار التقليدية للمرأة بدلا من القاء اللوم على الحرب الاهلية في تقويض وما تلاها من الثورة المضادة التي قادها ستالين. وهو لا يذكر حملة الدعاية الحكومية للأمومة، والقيود الشديدة المفروضة على الإجهاض في عام 1936، والتي بلغت ذروتها في حظر المدارس المختلطة في عام 1943 وإدخال عقوبات شديدة على الطلاق في عام 1944.
وما يكشف عن أحد نقاط الضعف في الكتاب: هو ان المؤلف لم يكن لديه ذلك الالتزام المطلق بقدرة الطبقة العاملة على التحرر الذاتي وهو الامر الذي دافع عنه لينين طوال حياته؛ وليس لديه ايمان عميق بأن العمال كان عليهم أن يقودوا النضال ضد جميع أنواع القمع وأن حزب العمال الطليعي يجب أن يكون قبلة للمضطهدين.
وكذلك فان الشخص الذي يفتقد معرفة الدعامة المركزية في فكر لينين هو فقط من يمكنه أن يضع الثورة الصينية في عام 1949 على قدم المساواة مع ثورة أكتوبر 1917.
عن: موقع الهيرالد