يختار توم هوبر شكلاً للسيرة .. وهذه المرة سيرة رسام وقضية تحوله الجنسي من خلال علاقة حب عنيفة مع زوجته.
الحب عندما يتخطى قوانينه، عندما ينذر المحب في سبيل الحب بعضاً من كبريائه، ويتجرد من مسميات يصنعها..
فيلم (الفتاة الدنماركية) يفلسف لحب لم نعتده، ليس ذلك الحب الذي لا يتوقف على ارضاء الآخر بل أنه مساواة حقة وتوازن داخلي يفيض على الحياة.
الفيلم يدور في بداية ثلاثينات القرن المنصرم حيث اوّل عملية (تحول جنسي) في العالم، عن قصة حب قدّر لها أن ترتبط بأغرب علاقة بين رجل وامرأة.
يروي الفيلم، الذي اخرجه توم هوبر، قصة الرسام الدنماركي "اينار ويغنر" او "ليلي البي".. الرسام وزوجته الرسامة (غريدا جوتيب) واكتشاف ميوله في أن يكون امرأة، والحب المشتعل مع زوجته التي تقف الى جانب رغبته، لدرجة تكون بطلة لوحاتها كامرأة عصرية.
سيناريو الفيلم المعدّ عن رواية صدرت عام 2000 يركز على قصة حب عن رينار وغريدا واصرارها على الوقوف بجانب تحقيق هذه الرغبة ليعثر على هويته الجنسية الحقيقية بعيداً عن التكوين الفيزيائي.. وحتى اليوم الذي تطلب فيه غريدا من زوجها وايغنر أن يرتدي جوارب راقصة الباليه الموديل الذي تستعين به لتغيير اسلوبها تمهيداً لقبول لوحاتها في المعرض المرتقب.. ويطلق عليه اسم "ليلي" من باب المداعبة من صديقتها.. وسرعان ما يجد ويغنر انها رغبته المكبوتة.. يواجه التحولات هذه في مشاعره وسلوكه والتي تنعكس على علاقته بزوجته، التي تتعامل معها في البدء كمرض نفسي سيجد الاطباء علاجاً له.
(متى استعيد زوجي) هكذا تقول غريدا بينما تنمو هذه الرغبة لدى إينار في أن يتحول الى جنس آخر والتي يقول فيها (لقد ارادني الرب أن اكون هكذا) جعلها تتحول الى احترام هذه الرغبة بل ومساعدته على تحقيقها.
"توم هوبر" الذي سبق وأن شاهدناه في (خطاب الملك) و(البؤساء).. يتعاطى بعناية مع التفاصيل والأجواء كما في فيلمه (خطاب الملك) ولا يغفل في فيلمه هذا الجانب التاريخي حيث ثلاثينات القرن المنصرم واجوائه، كما يتعامل بحساسية مفرطة مع هذا الموضوع وتفاصيله يركز في هذا الفيلم خلافاً للأفلام التي تناولت هذا الموضوع، واعني المتحولين جنسياً، الى جانب الحق الجنسي والتعامل مع حالات كهذه، حالات انسانية جديرة بالفهم والاهتمام.
تناولت السينما هذه القضية في اكثر من فيلم منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، لكنها لم تستطع ان تقدمها بهذه الصورة الانسانية – اغلبها كانت افلاماً كوميدية - هذا اذا استثنينا فيلم بيدور المودفار (كل شيء عن أمي) الذي ينتصر لقضية المرأة.
هوبر في هذا الفيلم ناقش قضية الهوية الجنسية ببراعة ساعده اكتمال جميع عناصر الصنعة الفيلمية من تصوير الى ديكور وازياء وموسيقى، والأهم من هذا التمثيل.. فقد استعان لدور اينار/ ليلي بالممثل (ايدي ريدماين) الذي نال الاوسكار عن فيلمه (نظرية كل شيء) بشخصية ستيفن هوكونغ . وقد ابدى براعة يحسد عليها في تحرير العبقرية من سجنها –الجسد المعاق- وفي (الفتاة الدنماركية) ليحرر من سطوة الجسد الهوية الجنسية.
الممثل ريدمان كان بارعاً في ايصال هذا التمرد داخل جسد ليلي الى المشاهد ساعدته براعة ريدماين حيث لم يلجأ الى الشكل في تغيير الجنس.. عندما يتحول الى الفتاة ليلي.. كان يكفيه التلاعب بحركة الوجه والايحاء في أن ينقل لنا هذا الاحساس..
كان اينار يجاهد في البحث عن ليلي داخله بينما زوجته غريدا تبحث عن بقايا اينار في جسد ليلي التي بدورها اختارت الى الأبد الجنس الجديد.
الفتاة الدنماركية شكل آخر للسيرة
[post-views]
نشر في: 10 مايو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...