اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غادروا.. لأن المدينة لم تعد لهم

غادروا.. لأن المدينة لم تعد لهم

نشر في: 13 مايو, 2017: 09:01 م

في واحدة من محاولات أسترداد صورة البصرة المخربة، على يد العصابات، في المدينة المنتهكة فضائياً (نسبة الى الفضائيات) نجد، هنالك من يغامر، ومن يجرؤ على فعل إعادة فعل الجمال، عبر الثقافة، طبعاً، فيقيم احتفالية هنا، وينشئ جهداً معرفيا هناك، ولا نعدم من رؤية من يحضر أمسية للشعر، أو معرضا للفن أو مهرجانا للسينما. هي محاولات يائسة بكل تأكيد، إن قيست بمقياس الماضي، وبلا معنى أيضاً، لكنها، إن قيست بمقياس الحاضر عدّت مغامرة، تحسب لصالح القائمين عليها، وما أقامته رابطة لوتس الثقافية النسوية بالتعاون مع أبرشية البصرة والجنوب الكلدانية قبل يومين يجعلنا  أميل الى ترجيح القياس الثاني.يجعلنا على يقين بأن المدينة ما زالت على قيد الحياة ولن تموت.
وهنا، كان بودي أن أتحدث عن الشعر، وعن ما قرأته الشاعرة أنغام الزبيدي، وعن الأمسية المخصصة للإحتفاء بديوانها( إمراة ترفض التلاشي) وعن معرض شقيقها النحات والرسام محمد الزبيدي، وعن المقدمة النقدية الاحتفائية التي قدمتها الشاعرة منتهى عمران، وعن ترجمة بعض القصائد الذي قامت بها المترجمة سميرة البغدادي وعن القراءة الجميلة، عن الصوت العذب، صوت الدكتورة ثورة يوسف، الذي راح يتصادى في قاعة كنيسة مار فرام بالعشار، منشدا الجمال حيث كان، عن الجمهور الذي تمايل طرباً مع صوت وعود الموسيقي عادل الجاف. كل شيء من هذا،  يمثل دعوة خالصة للتأمل والكتابة وإبداء الرأي في مدينة تحتضر اجتماعياً وسياسيا وأمنيا واقتصاديا لكنني سأصمت.
لكنني سأصمت، ولن أتكلم بحرف واحد، فكل كلام في هذه وتلك محض عدم، إنما سأصغي لنداء أنفاس الذين أجتمعوا في صالة كنيسة مار فرام بالعشار، وقد جاءوا من وسط وأطراف المدينة، لبوا نداء الشعر والفن والمحبة والألفة والصداقة والبحث عن قيم الجمال واللطف والصفح والتسامح، وجاءوا، جلسوا على المقاعد الخشب يستمعون الشعر وهو يقلب أوراق الجسد والعشق، وهو يبحث عن منفذ يعبر فيه عن يأسه وشجنه وصدقة ووفائه، ينعمون النظر في اللوحة وما تخطه الفرشاة من غربات وحنين ومتاهات...    ومثل من أفاق من طعنة خاطئة، أفقت، ورحت أبحث في موضع الطعنة عن سكين متوهَمةٍ، عن نصل لم يتمكن من بلوغ نقطة الأمل في قلبي الحالم، رحت أصفقُ للشعر واللوحة والقطعة الموسيقية، للنساء حاسرات وغير حاسرات، للجسد وقد لبى رغباته او لم يلبن للضوء الذي ظل ينهمر على صورة السيدة العذراء وابنها السيد الجميل، القائمة في الفسحة الأولى عن مدخل الكنيسة.
لم يبق من مسيحيي البصرة إلا القليل، ولم يبق من عازفي الكمنجات، الذين حاولوا أن يكملوا معنا قداس المدينة الأخير، في جوقة عازفي ليلة الميلاد، إلا القليل أيضاً، ومثلهم غادر من الطبالين والخشابة، السمر والبيض، ومن بوابة الخوف والهلع والموت أيضاً، غادر الميسورون ومتذوقو الفن والليل الطويل والنخل والأثل وبساتين البرجسية، من أهل السنّة والجماعة، في الزبير وابي الخصيب ، ومثلهم من غادر من كان من الصابئة والبهائية والاخبارية والاحسائية، وغادر غارسو النخل والفاكهة وزارعو البامياء واللوبياء والعنب والتوت والباذنجان، من الشيعة والسنّة، من أهل ابي الخصيب والفاو وشط العرب، كلهم غادروا،غادروا، مثلما غادر اليهود من قبلهم، وغادر كل من كان محباً للشعر والموسيقى والحياة خارج التشدد والزيف، من الزبيريين والخصيبيين والفاويين، لقد غادروا جميعاً،غادروا. كلهم يقول: هذه المدينة لم تعد لي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram