كلما دخلت في حديث معه، وحدثته في أمر أسفاري، سحبني من حيث لا أعلم الى حديث النساء، قال لي بان اصحاب الفنادق في طهران ومشهد، لا يسألون النزيل عن المرأة التي معك، ففيمَ يسأل أمثالهم في بغداد والنجف وكربلاء وبغداد عن ذلك؟ فأقول لا أعرف !! لكنه، ظل يحدثني عن صديق بحاّر له، كان قد جاب العالم، في شرقه وغربه، وجاء فيما حدّثه عنه: إن النساء يقفن عند بوابات الموانئ، في المدن التي زارها، ويتسابقن على الرجال، كل تأخذ صاحبها الى مخدعها. هو رجل فلاح، لا يعرف مما حوله، أبعد من حدود النخل والماء وماكنة السقي ومواسم زراعة الخضار والفاكهة، لكنني، توصلت الى سرٍّ من أسرار روحه.
يقول بانَّ أحدهم، وهو فلاح أيضاً، استعان به على استرداد دين، من فلاح آخر، اختفى عن وجه دائنه، سلك الأول دروب النخل والانهار كلها، ألقى بجسده في هاوية من الحلفاء والقصب، فلم يهتد اليه أحد، وظل غامضاً، عصيا على الاسماع والأعين، دخل غابة النخل واطمأن الى غورها وغاب، لكنني: يقول صاحبي اهتديت اليه، استعنت بخبرتي في الاستدلال على ذوي الاسرار، فطرقت باباً خشباً، وخرجت لي صبية، هي ابنته، عرفتها من نسيج اللحم ولون العين وفلطحة الانف. سألتها عن أبيها، فلم أفلح في إجابة، وحين أفلحت قالت: هو هناك، مدت اصبعاً نحيفاً باتجاه الغابة، قالت: هو، لا يريد رؤية أحد، وإن علم بي دليلة اليه، أوسعني ضربا، فقلت لا عليك. أريني الدرب حسب، سأصله.
كان كوخاً غامضاً، ضائعا في النخل، ليس قريبا من البيوت، وليس بعيدا عن النهر، بناه بما يرميه أصحاب المحال من علب كارتونية واوراق، لكنه بسقف من السعف والخيش، تهدلت كرمة عليه واظلته شجرة توت، إطار بابه خشب وظلال دواخله كارتونات، لكنني، حين طرقت الباب، أيَّ باب ؟ هبَّ فزعاً، من أنت ؟ من فتح اليك باب السماء لتدخل، انا حجبت طرق الارض كلها. فكيف اهتديت لي ؟ كانت الى جابنه امراة فزعة، عليها من الثياب ما يغطي نصفها، حسب، فقد تركت نصفها الثاني مطلقا لعيني، وهكذا سرقت عيني من لدانة وبضاضة الجسد ما سرقت، والتهمت روحي من الذراعين والفخذين والبطن ما التهمت. قلت إن فلاناً جعلني وسيطا بينه وبينك لأسترد نقوده منك، أنا وسيط بينكما، وانا ذاهب الى ناحية في الارض هذه، ريثما تجد ما في كيس نقودك ما له عندك.
أريه الصور المتاحة لي، تلك التي يبعث بها أصدقائي على صفحات التواصل، وأحرص على أكون عند حسن ظنه بي، فلا أريه الفواحش ما ظهر منها وما بطن، يترك منجله جانباً وتسقط مسحاته، وألمح صورة المغتلم الذي لا يملك حجة لمشاعره، ومع أنه رجل تجاوز الستين، مع أنه من سلالة اناس طيبين، مصلين، صائمين، محتشمين، لم يظهروا من المعاييب ما يقدح في سيرتهم، لكنني، رحت اتقصى حدود الرغبات التي كانت تجتاح روحه، كنت اتتبع حدود التمر والدبس والزبدة والارغفة التي صنعت لحمه ودمه وشحمه. أصغي للنص المحرم، المكتوب، الذي يسوّر آماد روحه، وقهرها في جهاتها الاربع، النص الذي أذل الثور الذي كان يوما جسداً وفتنةً.
ساعة يذل الثور... ساعة تتوقد الروح
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
مقال بصراوي بامتياز ، قصة جميلة ومعبرة ،سبق للسياب ان عالجها في مومسته العمياء ، ومع تحفظي على بعضا من ابياتها الا انها (القصيدة وقصتك الجميلة) عالجتا حياةالناس مع النخيل والنهر والحب والموت ، وارى يا استاذي ، ان النفط قد غمر سواقي النخيل وغاباته ولا اريد