TOP

جريدة المدى > سينما > تمارس أفلام لينش سيطرة على مخيلتنا أو عندما نضع الأحلام على الشاشة

تمارس أفلام لينش سيطرة على مخيلتنا أو عندما نضع الأحلام على الشاشة

نشر في: 18 مايو, 2017: 12:01 ص

(1)دعونا نبدأ، كما فعل ديفيد لينش، مع "رأس ممحاة". أول مرة رأيت فيها هذا الفيلم على مسرح جامعي عام 1981، بعد أربع سنوات من عرضه الأول في بريطانيا – لكنه كان ملازماً لذاكرتي زمناً طويلاً قبل رؤيته. حتى الإعلان الصغير في الايفننغ ستاندارد –

(1)
دعونا نبدأ، كما فعل ديفيد لينش، مع "رأس ممحاة". أول مرة رأيت فيها هذا الفيلم على مسرح جامعي عام 1981، بعد أربع سنوات من عرضه الأول في بريطانيا – لكنه كان ملازماً لذاكرتي زمناً طويلاً قبل رؤيته. حتى الإعلان الصغير في الايفننغ ستاندارد – نسخة صغيرة جداً للبوستر، مع نظرة جاك نانس الجذابة، الغامضة، وتسريحة شعره، مع، بالطبع، عنوانه المحيّر – أثارني، وجعلني أدرك أنني ذاهب لرؤيته في يوم ما. عندما أصبح اكبر في العمر قليلاً.

لأنه كان مصنفاً لفئة عمر 18 فما فوق (والآن نزل الى 15)، ويشتمل على مشاهد رعب، أبرزها الطفل الرضيع البدين المشوّه المنجب من هنري سيئ الطالع، والذي يكون في المشاهد النهائية موضوعاً لتشريح شنيع، يقود الى كارثة. كتقطير لمخاوف ذكورية حول الأبوّة، هو فيلم منقطع النظير، وبعض الناس لاحظوا ذلك أثناء فترة الحمل الطويلة للفيلم – خمس سنوات؛ كانت الميزانية واطئة جداً بحيث أنها كانت مكمّلة بوظيفة موزع جرائد – أن لينش اصبح أباً لبنت بتشوّه خلقي في القدم. لينش يتمنى، بشكل مفهوم، أن لا يقوم الناس بأيّ علاقات لا مبرر لها بين الإثنين. (الإبنة نفسها لا تبالي بتشوهها على نحو معقول ظاهرياً ).
ليس الأمر أن هذا هو ما يدور حوله الفيلم بالكامل، برغم ما يمكن أن نتوق اليه من بعض المعالجة التي نسيطر معها على هذا العمل الفني الحلمي. إن كان هناك في يوم مخرج وضع الأحلام على الشاشة (كما يقول الراوي للسيرة الذاتية المزيفة لجيمس ليفير، " مي تشيتا "، كل الأفلام هي أحلام المشاهدين، ظاهرة على الشاشة)، من دون محاولة فرض سياق قصصي ملازم، مفهوم بيسر، عليها، فهذا المخرج هو ديفيد لينش. وحتى عندئذ نحن غير متأكدين ما هو الحلم وماهو الواقع. هذه هي في الأقل الميزة الدائمة على نحو ثابت للأحلام حين نجرّبها، وفي كتابه " لينش عن لينش "، الذي يتحدث فيه المخرج بشكل جذاب، إن لم يكن بشكل مبهم دائماً، حول عمله، يطرح كريس رودلي (الذي حررّ الكتاب) هذه المسألة على نحو جيد : ((الحد بين الحلم والواقع في عمله (رغم أنه يتحدث تحديداً عن " طريق مولهولاند") هو ((حاجز تفتيش سيئة الإدارة حيث لا يبدو أن أحداً يقوم بدمغ الجوازات)).
بدأ لينش فناناً، وعندما نتذكر هذا، فإن هذا الفيلم يكون منطقياً اكثر بكثير – إن كان هذا هو الوصف المناسب. واحد من الأشياء التي تلاحظها حول " رأس ممحاة " هو كم أن الحوار قليل فيه، ما يعني أن كل سطر له كثافة وقصد غالباً ما يكونان غائبين في الكثير من الأفلام الثرثارة. الخطبة الأطول في الفيلم يلقيها والد صديقة هنري، الذي يدخل حجرة الجلوس فجأة ليقول هذا( الى حد هذه النقطة، لا يتناول الفيلم المخاوف من الأبوّة؛ هو حول الألم الحاد من لقاء والدي صديقتك): ((أعتقد أني سمعت شخصاً غريباً، لدينا دجاج على العشاء الليلة! انها من صنع الإنسان! مخلوقات صغيرة ملعونة! أصغر من قبضة يدي! )) (وضعت علامة تعجب بعد كل عبارة لتشبيه الإلقاء غير العادي لالن جوزيف [ ممثل هذا الدور في الفيلم ] بكلام هنري دين ستانتون [ ممثل ] عن الكريستال ميث [ مخدِّر الميثافيتامين ]).
يتواصل المشهد مع محاولة هنري قطع لحم الطير الى شرائح، الذي يبدأ بتحريك رجليه مترشحاً منه سائل نفترض أنه دم. هي صورة تلازمك الى الأبد.
المسألة هي أن لينش يفضّل الصورة على الكلمة. مخرجوه الأثيرين، كما قال هو، تاتي، هيرزوغ وكوبريك، كلهم يمكن أن يقال عنهم إنهم إستخدموا الصمت بأطوال مختلفة لإحداث أثر عظيم.( برغم ان خلفية الضجيج الذي لا يلين في أفلامه، المستمر في " رأس ممحاة "، المتقطّع في " مخمل أزرق "، والذي هو على نحو أكثر بروزا نذير بالعنف الجنسي، يُظهِر كيف كان المخرج مهتما بأنواع مختلفة من الصمت: ’ الرووم تون ‘ [ ’’الصمت‘‘ المسجَّل على الشريط الصوتي للفيلم حيث لا حوار منطوق ]، حيث لا ينبغي على صانع الفيلم أن يكون منتبها جداً الى المطابقة عندما يتم تصوير نفس المشهد من زوايا مختلفة. ) هو أيضاً معجب كبير بفرانسيس بيكون، الذي يخطر بلا مفاجأة حين تنظر الى الطفل المشوّه في " رأس ممحاة "، التي لا تستدعي شيئا اكثر من لوحة الرسام بيكون " ثلاث دراسات لأشكال على أساس من صلب المسيح ". فيلمه الأول، عمل تجريبي طلابي، " غاردنباك "، (( مستوحى من هذه اللوحة)). وحين عرضت شركة فوكس أن تنتجه بشرط توسيع السيناريو من 45 صفحة الى 120 أو ما يقارب، واجه لينش، طبقاً لما ورد منه، مشكلة كبيرة في إستيعاب فكرة الحوار. (( عليك أن تضع هذه المشاهد بين ناس. ويجب أن يتكلموا فيه، )) كما شرح له مدرّسه؛ (( لكني بقيت لا أعرف عمّا كان يتحدث. )) يقول لينش.
المفاجأة حول "رأس ممحاة "، رغم كل شيء، كانت إنه هيأ للينش دخولاً سريعاً على نحو لافت للنظر في الطريقة السائدة في السينما. فيلمه التالي، "الرجل الفيل"، ربما لم يكن بالضبط موافق للطريقة السائدة – قدّم إنساناً آخر مشوهاً على نحو مفرط، وهذه المرة في دور البطولة – لكن كان له فعلاً قصة وحوار، ولم يرتب أحد بأن لينش كان المخرج الخطأ لهذه المهمة. ربما كان كذلك في فيلمه التالي، " كثيب "، اقتباس من رواية خيال علمي لفرانك هربرت، الذي خسر فيه أموالاً كثيرة جداً، وحين عُرِض في نسخته الموسّعة، بادر لينش الى نسب العمل الى ’’ الن سميثي ‘‘، إسم مستعار يستخدمه المخرجون كي يتبرأوا من عمل لا يريدون ان يرتبط بهم.
في مرحلة معينة كان يمكن أن يُصنّف لينش في قائمة المخرجين الذين أخذوا دعماً مالياً من هوليوود وابتلعهم نظامها. لكنه عندئذ صنع فيلم "مخمل أزرق ".
لم أسمع بعد أيّ نقد جارح بحق "مخمل أزرق" ( 1986 )، ولن تجد أي منه هنا. أيّ شكوك بأن ظلامية [ غموض متعمد ] لينش المبكرة ( وفي الحق المتأخرة أيضاً ) أو سرياليته التي هي ربما لم تكن سوى أحجية من دون فحوى تتبخر إزاء هذه التحفة الفنية. (( مخرج جديد جاء ثانية بوسيط حي وخطير، )) كتب ديفيد تومسون في " الموسوعة السيرية للفيلم ". لا أحد من الذين رأى دينيس هوبر في دور فرانك، مستنشقاً، الله أعلم ماذا، من قناع الاوكسجين على وجهه ( بالتأكيد لم يكن اوكسجيناً؛ شيء أكثر قرباً لمادة مقطّرة من كل المخدرات، أو من كل الشياطين )، ومضاجعاً ايزابيللا روسلليني بينما هي تصرخ (( مامي! ))، سينسى الفيلم بسرعة. لكن أيضاً لا احد سينسى لورا ديرن في ردائها الوردي الجميل لفتيات المدن الامريكية الصغيرة، أو براءة كايل ماكلاشلان الملغزة والمتآكلة بإطراد. ( (( لماذا يوجد أناس مثل فرانك؟ )) هو يسأل ونحن لا نعرف الجواب ).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram