غدا او بعد غد— لا محالة — سيجئ حمالون مستأجرون ، لحمل هذا الكدس من الكتب ومسودات الصحائف والأوراق لإلقائها في آقرب مكب للنفايات ، ويسارعون بالإنصراف .ولا غرابة فهكذا كانت نهاية مكتبة عبد المجيد لطفي ، والوردي ، والصائغ يوسف ، وغيرهم الكثير من المثقفين الراحلين .
كيف يحدث هذا وكل حرف من تلك الثروات نبض عرق حي ، وكل كلمة ابجدية . وكل كتاب مستودع افكار ومسرى حياة ؟
لا .. لن اترك ارثي المتواضع يقبع في مكب النفايات ..لا .
قلت : ألملِمها من فوق الرفوف العاليات ، من خزانة الكتب المغلقة ، من الأدراج لصق المخدة ، من الصناديق المحشورة تحت السرير ،، ثم اعتزم أمراً شجاعا قد لا يواتي المرء إلا لماما . ان اودعها - اتبرع بها - لأقرب مخزن للكتب القديمة ..
لا يفارقني حزن كظيم وانا أودعها ، وانا ارقبها بإمتنان وحسرة ، اعتذر منها إذ آتخلى عن معاشرتها طوعا ،، كرها ،،
طوعا ،طوعا .
ما واتتني جرأة إحراقها ، كما فعل ( ابو حيان التوحيدي ) بمؤلفاته وآوراق مسوداتها ،، احس بحزنه الدافق وهو يطعم مؤلفاته النيران في ساعة ضعف إنساني . والتي يقال انها اربت على الثلاثين أثرا ،، وجلس يرقب النار تتمشى في ثناياها ، يضحك بهيستيريا تارة ،ويبكي بحرقة تارة ، حتى غدت تلة من رماد — لم ينج من مؤلفاته إلا اقل القليل،،منها الإمتاع والمؤانسة ،، الإشارات الإلهية ،، البصائر والذخائر …وغيرها قليل ، ولد التوحيدي ببغداد عام ((٣١٠)) هجرية ، إمتهن صنعة الورّاقة في مستهل الشباب ، الذي شكل الرافد الثر من روافده المعرفية ، الإحباطات والإخفاقات التي صادفها التوحيدي ابان سنوات عمره التي قاربت التسعين عاما ، حملته على اليأس . من جملة بوحه بمعاناته يكتب : أمسيت غريب الحال ، مستأنساً بالوحشة ، قانعا بالوحدة ، معتادا الصمت …. إلخ .
………..
الحاجة ماسة ، اليوم ، اليوم وليس غدا لمخاطبة الجهات الثفافية المسؤولة ، لإنشاء مثابة عامة ، خاصة ، ومناشدة الكتاب والمثقفين لأيداع مكتباتهم ، ومقتنياتهم الثقافية في تلك المثابة ، لتكون ارثا ثمينا للأجيال القادمة و زادا معرفيا لمن اراد التزود .
محنة الكاتب .
[post-views]
نشر في: 17 مايو, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو أثير
سيدتي الفاضلة ... أضحت الثقافة ودرب الوصول اليها في هذا الزمن القاسي والضائع من عموم العراقيين والجو العام للبلاد ... مجرد نوع من الترف الغير مرغوب فيه مع ألأسف... في حين أذكر جيدا وأنا الشيخ المسن الثمانيني أنه في فترة الخمسينات والستينات وكنا في مقتبل