(1)
تطورت مهام المخرج المسرحي كثيراً عبر العصور إلى أن وصلت ذروتها أواخر القرن التاسع عشر حين أصبح يحتل مركزاً أساسياً في عملية الانتاج المسرحي. وقبل ذلك وفي زمن الأغريق القدماء كان الشاعر الدرامي هو المسؤول عن انتاج مسرحيته وكان هو الذي يوجه الممثلين واستمر الحال كذلك حتى في العصر الوسيط وفي عصر النهضة. كان (مولير) و(شكسبير) يمثلان في مسرحياتهما ويخرجانها.
كان كل من (الدوق ساكس ما يننغن) من بافاريا و(ماكس راينهارت) من المانيا و(اندرية انطوان) من فرنسا و(قسطنطين ستانسلافسكي) من روسيا، قد وضعوا الحجر الأساس لمهمة المخرج المسرحي في العصر الحديث وتثبيت مركزه كونه الفنان الأول في الانتاج المسرحي، بعد المؤلف المسرحي طبعاً وكونه الشخص الموحد كعناصر عديدة وصبها في بودقة واحدة، وهكذا أخذ المخرج ليمارس دوره كقوة رئيسة في الانتاج المسرحي. وبقى السؤال حول إذا ما هية هذا الدور وطبيعته قائماً لحد اليوم: هل هو مجرد مفسر لمعطيات النص المسرحي وملتزم بأفكار المؤلف أم هو فنان مبدع يتخذ من النص نقطة انطلاق لإيصال رؤاه إلى جمهور المتفرجين؟
للإجابة على ذلك السؤال يكون من المهم تحديد مسؤولية المخرج وتعريف مهماته ثم توضيح العوامل التي تؤثر في عمله.
من الناحية الفنية يمكن تحديد مسؤولية المخرج في الانتاج المسرحي على وفق العلاقات الآتية:
1- علاقته بالمنتج.
2- علاقته بالمؤلف.
3- علاقته بالمصمم.
4- علاقته بالجمهور.
يتحدد طموح المخرج في الابداع بمتطلبات المنتج وفي المسرح التجاري يضطر المخرج إلى إخراج مسرحية قد لا ترضي طموحاته الابداعية بقدر ما ترضي طموحات المنتج المالية، وعليه لكي يكون المخرج مبدعاً عليه أن يختار النص الذي يحقق له إبداعه.
هناك خياران يتحكمان بعلاقة المخرج بمؤلف النص المسرحي، الأول: أن يكون المخرج أميناً على أفكار المؤلف عند تفسيره للنص وكان ستانسلافسكي وجاك كوبو من المؤيدين لهذا الخيار. الخيار الثاني: هو أن يفرض المخرج وجهة نظره الخاصة على النص في تفسيره، أي أن يكون مؤلفاً جديداً للنص. وفي هذا الخصوص يعتبر المخرج الفرنسي الشهير (لوي بارو) بأن النص اشبه بكتلة الجليد الطافية على سطح الماء، وما يظهر منها للعيان ليس إلا الثلث، أما البقية فهي المختفية تحت السطح وما على المخرج إلا أن يظهر تلك الأجزاء المختفية ليراها المتفرج وليفسرها وفق ما توحي له الصور في العرض المسرحي. وبهذا الخصوص نحن نؤيد رأي المخرج (جورج فخس) بأن على المسرح أن يلبي حاجات الانسان الحديث أو المعاصر، وقد نجد مثل هذه الحاجات حتى في الدرامات القديمة وما على المخرج إلا يقوم بإعدادها لغرض تلبية تلك الحاجات، ولا يتوقف العمل الإبداعي للمخرج على ايصال (ثيمات) المسرحيات التي يخرجها فقط، بل بإعطاء شكل جديد للعرض يتناسب مع المضمون الجديد، ويمكنه أيضاً حتى تغيير طراز المسرحية لغرض اعطاء حياة جديدة لها، وعلى سبيل المثال، نذكر ما فعله المخرج (بيتر بروك) مع مسرحية شكسبير (حلمة ليلة منتصف صيف) إذ بدلاً من أن يجعل احداث المسرحية تقع في غابة قرب مدينة (اثينا) جعلها تحدث في مكان يشبه حلبة (السيرك).
المخرج المسرحي مسؤوليته ومهمته
[post-views]
نشر في: 22 مايو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...