ما كنت أعتقد بان الحياة في مرحلة ما بعد الدكتاتورية، في العراق خاصة، ستكون أشد قتامة ورداءة الى الحد هذا، بل وما كنت ممن يتأسفون عليها، لولا أنني شاهدت مبنى متحف البصرة، الذي كان أحد قصور الرئيس صدام حسين. هناك، أيقنت بان الدكتاتوريات تبني الحضارة أحيانا، وتصنع المجد وتحسن بذلك الى الخلود والعظمة. لكنني تيقنت بان (الديمقراطيات) لا تبني، أبداً. بل هي غير قادرة على ترميم ما يتهدم. ولا أريد أنْ أثني على إدارة المتحف، التي جاهدت في جعل الجزء الجميل هذا من القصر مبنى خاصا بالمتحف، لأنَّ ذلك سيعد بمثابة مديح لمديره السيد قحطان العبيد، لكنَّ الحق أقول: بأن القاعة كانت فخمة، جميلة، بل من أجمل ما يمكن، لتكون متحفاً للتاريخ في المدينة العريقة هذه.
وما هذه ابتغيت، إنما سأتحدث عن ما أنشاته الدكتاتورية في العالم من شواهد حضارية، بما يذكرنا بالمباني الخالدة التي بناها الملوك والاباطرة والقياصرة وذوو المال في العالم ذات يوم، وما ظل منها خالداً وشاهداً على العظمة، وما آل منها للناس يستمتعون ويتنعمون في حدائقها وتماثيلها وأواوينها، ومن ثم ما دخل في صناعة السياحة وصياغة المجد الغابر والدليل على الحضارة، بل والدليل على الطغيان أيضاً، ذلك لأنَّ السائح أو الزائر إذا دخل المبنى هذا ووجده على العظمة التي وصفت له، بدت له صورة الدكتاتور قبيحةً دالة على بطشه وقسوته، أما إذا وجده مهملا، مهدما، بائساً فستتغير صورته عنده، وقد يقول عنه: كان فقيراً، لم يحسن بناء بيته حتى.
كل الذين دخلوا قصور صدام حسين التي في البصرة وبابل وبغداد أجمعوا على جملة واحدة تقول بان الدولة العراقية لم تحسن التعامل مع القصور هذه، فقد أشيع في البصرة، يوم ما، بأنها ستوزع كمنازل على اعضاء مجلس المحافظة، وقيل بانها ستكون ثكنة للجيش، اما اليوم فهي مقرٌّ لقيادة الحشد الشعبي، وغير خاف على أحد بأن وجود العسكر، أي عسكر، وفي أي مكان من الأرض، سيكون عنواناً على خراب المكان ذاك. المؤسسات الأمنية لدينا، الجيش والشرطة والحشد لا تعنى بأمكنتها، فقد بدا الاهمال واضحاً، في مدخل القصر وأقسامه وغرفه وحدائقه، ورأينا كيف تشدُّ أسطوانات القاعة بالقيود والاسلاك، ورأينا كيف تمت معالجة باب القاعة المخلوع، ورأينا كيف أنشات الحمامات والمرافق الصحية الجديدة، في جانب منه.
ما تساقط من النقوش لم يعالج، وإن عولج فبطريقة (العمّالة) الطابوق والاسمنت والصفيح بدلاً عن الحجر والرخام والقاشاني، ما هكذا ياناس، حرام عليكم، خلاص، لم يعد القصر ملكاً لصدام حسين، هو مبنى للشعب والدولة العراقية، وهو أثر دالٌ على حقبة من الزمن، دليلٌ على الظلم والجبروت، فلا تجعلون شعبنا ينسى مَنْ ظَلمهُ باهمالكم، كونوا على قدر المسؤولية، واعطوا صورة متحضرة عن أنفسكم وأعمالكم. لا يعاقب الدكتاتور بتهديم قصره، إنما يعاقب ببناء قصور اجمل من قصوره، ببناء شعب حي، قادر على صناعة غده، ببناء عقول تمضي ببلادها الى المستقبل بقوة وعظمة تضاهي عظمة وقوة الدكتاتور.
خطوات في قصر صدام حسين بالبصرة
[post-views]
نشر في: 23 مايو, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو أثير
ياسيدي لماذا لا يتعلمون من الجار المسلم القريب لهم ايران ألأسلامية .. وكيف حافظت على قصور الشاه الكثيرة وجعلتها متاحف للزيارة والسياحة ليش غير أشياء مو زينة يتعلموه بس ألأشياء الحسنة لا يتعلموها ... متكولي هذولة أشوكت يتعلمون الحياة الراقية ... اللهم صبرن