لم تجد مشكلة الترهل الوظيفي في جهاز الدولة حتّى اليوم، حلولاً يمكن لها عن ترفع عن كاهل الموازنة العامة ما يستنزف من حجمها قرابة الـ60 %، كميزانية تشغيلية، وهو أحد أهم اسباب استمرار العجز في الموازنات العامة، والذي وصل في العام 2017 لأكثـر من 21 ترليو
لم تجد مشكلة الترهل الوظيفي في جهاز الدولة حتّى اليوم، حلولاً يمكن لها عن ترفع عن كاهل الموازنة العامة ما يستنزف من حجمها قرابة الـ60 %، كميزانية تشغيلية، وهو أحد أهم اسباب استمرار العجز في الموازنات العامة، والذي وصل في العام 2017 لأكثـر من 21 ترليون دينار، ناهيك عن الفساد المالي والإداري المستشري في أغلب مفاصل الدولة.
وحيث تؤكد لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية، أن النقطة الأساس التي دفعت الحكومة لتبني مشروع قانون اجازة الخمس سنوات، هو الترهل الوظيفي الكبير في جهاز الدولة، دعتها لضرورة الاسراع في ارسال مشروع قانون تقاعد القطاع الخاص الى البرلمان لإقراره، ليكون عاملاً مشجعاً يوجه المواطن للعمل بهذا القطاع، وفيما يرى خبراء، أن الدرجات الخاصة والتعيينات في الرئاسات الثلاث، هي من استنزفت موارد البلد الاقتصادية في موازنة تشغيلية كبيرة، مما يعني أن هذا الجهاز الوظيفي لم يدر بصورة صحيحة.
توكد عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، نجيبة نجيب، في حديث لـ(المدى)، أن موضوع التضخم في جهاز الدولة الوظيفي من المواضيع الدقيقة والمؤثرة جداً، والتي تضغط على الموازنة العامة، فمن المعروف أن الترهل الاداري المتمثل في زيادة الاعداد في القطاع العام غير مبني على أسس صحيحة تستند لحاجة المؤسسة أو الوزارة لتلك الخدمة، مما شكل ويشكل حتى اليوم، عبئاً مالياً كبيراً على الدولة، فالوظيفة تعني تخصيص مالي.
وتتساءل نجيب، لماذا لم يفعّل مركز الخدمة الاتحادية لسنة 2009 حتّى الان.؟، في وقت كان يجب أن يفعّل ليضع الشخص المناسب في المكان المناسب، خاصة وأن عدم تفعيله وبقاء توظيف المواطنين على أساس المحسوبية والمنسوبية وليس على اساس الشهادة أو التحصيل الدراسي، أو حتى حاجة المؤسسة أو الوزارة له، جاء نتيجة للفوضى في الادارة، لأن احدى سمات الفشل هو الفراغ الاداري المالي والبطالة المقنعة التي تكلف الدولة مبالغ كبيرة، مشيرة الى أن زيادة عدد الموظفين في وزارة معينة، يعني انهم يحتاجون الى أجور نقل وفواتير للاتصالات وتجهيز، وهذه كلها نفقات تشغيلية تزيد من حدّة الثقل على كاهل الدولة.
وتبين، أن النقطة الأساس التي دفعت الحكومة لتبني مشروع قانون اجازة الخمس سنوات، هو بسبب الترهل الوظيفي الكبير في جهاز الدولة، وهذا الاجراء جاء وفق توصيات صندوق النقد الدولي، فالأخير لديه اتفاقية مع الحكومة العراقية على اجراء اصلاح مالي نقدي واقتصادي.
وتؤكد نجيب: أن جميع المختصين في الشأن الاقتصادي، باتوا يجمعون على وجود زيادة وظيفية مما جعل المواطن يفضّل التوجه الى القطاع العام لعدم تفعيل القطاع الخاص، لكن الآن هناك توجهاً لدى الحكومة نحو تشجيع المواطنين للتوجه للقطاع الخاص، الأمر الذي لن يتم بدون منح الاستحقاق التقاعدي للعاملين في القطاع الخاص، لافتة: الى وجود مشروع قانون بهذا الصدد موجود لدى الحكومة ومجلس شورى الدولة، لم يصل حتّى الآن للبرلمان، لذا ندعو الحكومة الى ضرورة الاسراع في ارسال هذا المشروع لتشريعه كي يكون عاملا مشجعا لتوجه الناس الى العمل في القطاع الخاص، لأن السبب الرئيس الذي كان وراء دفع المواطن العراقي للعمل في القطاع العام هو الراتب التقاعدي، كما أن قانون اجازة الخمس سنوات للموظفين براتب اسمي، تتضمن نصّاً يشجع المواطن الذي يحيل خدمته للقطاع الخاص وهو تفعيل التقاعد في القطاع الخاص، وهذا بالتأكيد أحد أهم الحلول للتخلص من الترهل الوظيفي في جهاز الدولة الحكومي، اضافة الى ضرورة عدم التعيين لاحقاً في الوظيفة العامة على أسس المحسوبية والمنسوبية.
بدورها ترى الخبير الاقتصادي سلامة سميسم في حديث لـ(المدى)، أن من اهم مشاكل الدولة العراقية هو تضخم الجهاز الوظيفي الذي شهد تزايداً كبيراً بعد العام 2003 مقابل تردي و تناقص الانتاجية لدى موظفي الدولة، مما يعني أن هذا الجهاز الوظيفي هو غير موظف ولا يدار بصورة صحيحة، وهو أكل مقنّع لكل انتاج متحقق، في حين كان يجب على الدولة أن تضع الحلول السريعة للحدّ من تنامي هذا الأمر، الذي يغذى من موازنة الدولة العامة بشكل كبير.
وتواصل سميسم، من جانب آخر، فإن الدرجات الخاصة والتعيينات في الرئاسات الثلاث، كرئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية والبرلمان، ما هو إلا هدر آخر بل وسوء استخدام متعمد، أدى ويؤدي الى استنفاد الموارد الاقتصادية العراقية في موازنة تشغيلية كبيرة، بدلاً من ذهابه في مشاريع تنموية مهمة للاقتصاد العراقي، حتى اصبح العراق كأنه يبيع النفط من اجل الانفاق على هذه الدرجات التي تشكل استنفاذاً كبيراً للثروات الاقتصادية على مدى اعوام مضت وأعوام مقبلة.
ويدلل تضخم جهاز الدولة وترهله وتدني فاعليته بحسب البعض الى أن اصحاب القرار السياسي ليست لهم رؤية تنموية متكاملة للبلد، مؤهلة لخلق فرص عمل للعاطلين، بالتالي هم يلجأون الى الطريق السهل في تشغيل القوى العاملة بتعيينهم في أجهزة الدولة، ويعد ذلك خطأ كبيراً بمعايير الجدوى الاقتصادية للإنفاق الحكومي، حيث تتمثل في البطالة المقنعة المستشرية في جهاز الدولة، التي تقدر بنسبة 80 % من عدد العاملين في جهاز الدولة، الأمر الذي يكلف الموازنة العامة السنوية زهاء 60 % من اعتماداتها.
وأتخذت الحكومة العراقية في الثامن من آب 2015، إصلاحات إدارية ومالية عاجلة بإلغاء عدد من المواقع في الرئاسات الثلاث، وتخفيض بعض الامتيازات والرواتب، مع تقليص في عدد الوزارات، تلتها اجراءات تقشفية طالت رواتب الموظفين، مع فرض الضرائب والرسوم على أغلب الخدمات، فيما لم تثمر هذه الاجراءات عن تحسن يذكر سواء في الاقتصاد العراقي أو في تفعيل عمل القطاعات الأخرى كالزراعية والصناعية أو في تخفيض نسبة العجز في الموازنة العامة للدولة.