adnan.h@almadapaper.net
الآن وقد استوى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على كل العروش في دولته (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، رئاسة الحزب الحاكم، وقيادة القوات المسلحة)، شرع في الحال بتوزيع جني "ديمقراطيته" على الاتراك.
قبيل الاستفتاء على تعديل الدستور التركي في 16 الشهر الماضي، برّر أردوغان سعيه إلى إدخال تعديلات جوهرية في الدستور المدني العلماني المعمول به منذ العام 1982، بأن التعديلات المقترحة من شأنها تحقيق المزيد من التقدم والديموقراطية لتركيا التي يريد لها أن تكون في مصاف الدول المتقدمة في العالم.
لضمان أن يتحقق له ما يريد من تعديل الدستور، وهو ترسيمه سلطاناً مطلق الصلاحيات على غرار السلاطين العثمانيين، مهّد أردوغان لعملية الاستفتاء بمسرحية الانقلاب الفاشل التي
انتهت باعتقال عشرات الآلاف من الموظفين في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، والهدف الرئيس لحملة الاعتقالات تلك هو التمهيد لبسط نفوذ حزبه (العدالة والتنمية) على مفاصل الدولة والإمساك بخناقها.
في غضون ذلك نظّم أردوغان مجزرة حقيقية في ميدان حرية التعبير، فقد أغلق العشرات من الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون وألقى بالعشرات من الصحافيين والكتّاب في السجن بتهم شتّى.
لم يعد أردوغان، بعد أن ركّز السلطات كلها في يديه على غرار دكتاتوريي الأنظمة الشمولية، يُطيق أن يسمع أو يقرأ أيّ كلمة لا تسبّح بحمده وثنائه. آخر "منجزاته الديمقراطية" على هذا الصعيد أنه أرغم إحدى القنوات التلفزيونية على منع ظهور مذيعة أبدت ملاحظة بسيطة في حقه.
المذيعة هي نفشين منجو قارئة الاخبار في قناة "سي أن أن تورك"، النسخة التركية للقناة الأميركية المعروفة. أما الملاحظة التي أبدتها فجاءت في ثنايا تعليقها على اللقاء بين أردوغان والرئيس الاميركي الجديد دونالد ترمب في البيت الابيض الاسبوع الماضي. السيدة منجو لاحظت أن اللقاء استغرق 23 دقيقة فقط فنوّهت عن ذلك، قائلة إنه (أردوغان) دخل وخرج في غضون 23 دقيقة فقط ... هذا التنويه هو ما أثار غضب أردوغان وكبار مساعديه في حزبه فضغطوا على إدارة القناة لتُقصي مذيعتها .. وهو ما كان لهم!
أردوغان ضغط في كل الاتجاهات كيما يتحقّق له تعديل دستور بلاده، والذريعة الذهاب بتركيا إلى مزيد من التقدم والديمقراطية .. ومن الواضح الآن أن تقدّم أردوغان وديموقراطيته يشبهان تماماً الديمقراطية والتقدم اللذين وعد وتغنّى بهما من قبل دكتاتوريّو العرب، من صدام حسين إلى القذاقي وحافظ الاسد وابنه وعلي عبد الله صالح وسواهم.