لم تعد الكتل السياسية تتحدث عن تأجيل انتخابات مجالس المحافظات، المقرر إجراؤها في أيلول المقبل، بل بات همسها يتصاعد بشأن إمكانية تأجيل انتخابات البرلمان المقررة في ربيع 2018.
وبدأ الفراغ الدستوري في المحافظات مع انتهاء ولاية المجالس المحلية في الـ 20 من نيسان، وفقاً لجدول استعدادات المفوضية التي تستغرق 6 أشهر قبل إجراء أي اقتراع. ومع ان ولاية المجالس المحلية تنتهي رسميا في حزيران المقبل، إلا انها انتهت بحكم الامر الواقع منذ الآن.
للأسف، عوّدتنا الكتل السياسية على أنها تنشغل بالاستحقاقات الوطنية في الوقت الضائع. فقد انشغلت الاطراف بالازمات والمهاترات والمناكفات والتنافس على تسجيل النقاط ضد بعضها البعض ، والنتيجة أنها حرمت الناخبين من اختيار حكوماتهم المحلية، والتصويت على أدائها للأعوام الماضية.
لم تفكر الحكومة ولا الرئاسات الثلاث فضلا عن الكتل، بتداعيات هذا الفراغ الذي تشهده الحكومات المحلية. فقامت بإضاعة الوقت الضيق اصلا، حول مسودة قانون الانتخابات المحلية، لكنها لم تتوصل الى نتيجة حتى الآن.
وفي هذه الاثناء، ورغم عدم حسم الجدل حول القانون الأنسب، نشبت معركة المفوضية التي أدخلتنا في أزمة جديدة، عقدت بدورها قضية الانتخابات المحلية، ووضعتها في خانة المستحيل.
هنا اختار البرلمان، ومن ورائه الكتل والرئاسات الثلاثة، الصمت إزاء معضلة الفراغ الدستوري في المحافظات. وما يزيد المشهد غموضا، ان البرلمان سيبدأ، بعد ايام، عطلته التشريعية بالتزامن مع انتهاء الولاية الرسمية لمجالس المحافظات. كما ان العطلة ستتزامن بدورها مع شهر رمضان وعطلة الاعياد. إذن فلن تبحث السلطة التشريعية ولاية المجالس المحلية خلال الشهرين المقبلين.
تبرر الكتل انشغالها عن الانتخابات المحلية بالحديث عن دمجها مع الانتخابات البرلمانية. وهو عذر مقبول، لكنه ينطوي على مجازفة خطيرة. لأن الكتل تقوم بربط مصير الانتخابات المحلية، التي يمكن إجراؤها ولو بشكل جزئي، بمصير انتخابات البرلمان التي يلزم الدستور بإقامتها في عموم المحافظات بالتزامن، ولا يجوز تأجيلها في اي بقعة.
وبما ان التسريبات والمعطيات كلها تشير الى عدم إمكانية إجراء الانتخابات بشروطها الدستورية في نيسان 2018، فإننا سنكون امام "فراغ دستوري" كامل الاركان في المركز والمحافظات.
ويترتب على ذلك، القبول بحكومات تصريف أعمال في المحافظات وفي المركز ايضا. ومع عدم وضوح السقف الزمني اللازم للخروج من هذا الفراغ الدستوري، فإن حكومات تصريف الاعمال ستحتاج بدورها الى صلاحيات تشريعية وتنفيذية لتمشية امورها. وهذا يستدعي، بالضرورة، اللجوء الى حكومة الطوارئ في بغداد والمحافظات.
إذن، فهناك سيناريو مخيف ينتظر العراق من شأنه ان يعطل الحياة الدستورية، وتداول السلطة، ووضع مصير البلاد على كف عفريت وسط منطقة ملبّدة بغيوم الحروب والازمات.
لكن مَن وراء وصولنا الى هذه النتيجة يا ترى؟
تقف اغلب القوى السنية مع تأجيل الانتخابات البرلمانية، عازية ذلك الى ضرورة اكمال تحرير مدنها من داعش، واعمارها لكي تسهل عودة النازحين اليها.
هذه الاطراف لا تطرح سقفا زمنيا للتأجيل، خصوصا ان تطبيع اوضاع المناطق المحررة قد لا يتحقق بهذه السرعة، وقد يحتاج لعدة سنوات.
بإزاء ذلك، هناك أطراف شيعية انضمت لمعسكر المطالبين بتأجيل الانتخابات البرلمانية. لكن حجة هذه الاطراف تختلف عنها في الجانب السني. فالخشية من الحشد الشعبي مشاركة وتصويتا، تدفع هذه الاطراف للضغط باتجاه تأجيل انتخابات البرلمان لحين ايجاد آلية متفق عليها مع العبادي للتعامل مع هذه العقبة برأيهم.
لقد لعبت الدوافع الحزبية والفئوية دوراً كبيراً في ضياع الحقوق الدستورية، ورهن المستقبل الى المجهول.
فأهلا بالفراغ الدستوري، وعاشت الصفقات.
أهلا بالفراغ الدستوري!
[post-views]
نشر في: 24 مايو, 2017: 07:55 م