تبدو دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة وكأنها، بالنسبة لي في الأقل، في عالمٍ آخر، أو خارج حدود الوسط الثقافي الواقعي بالرغم من علاقته الوثيقة جداً جداً بها. فهي تقع في منطقةٍ منعزلة تقريباًعن نشاط النقل العام من بغداد، في "سبع أبكار"،
تبدو دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة وكأنها، بالنسبة لي في الأقل، في عالمٍ آخر، أو خارج حدود الوسط الثقافي الواقعي بالرغم من علاقته الوثيقة جداً جداً بها. فهي تقع في منطقةٍ منعزلة تقريباًعن نشاط النقل العام من بغداد، في "سبع أبكار"، مما يجعل الذهاب إليها صعباً بالنسبة للمثقفين وغيرهم من أصحاب العلاقة بقضايا التأليف والنشر والطباعة. أما بالنسبة لي شخصياً، فهي رحلة تذكرني بالسفرات المدرسية أيام زمان، ولا ينقصني فيها إلا أن أتزود بالماء والطعام الكافي للرحلة، كما كانت الحال آنذاك، كلما أزمعتُ السفر إلى الدار لأمرٍ ما! أما بالنسبة للموظفات والموظفين العاملين فيها، فقد وجد معظمهم مضطرين حلاً لرحلتهم اليومية هذه من خلال النقل الجماعي الخاص، وهي مسألة ليست سهلة عليهم بالتأكيد مادياً ووقتياً ومعنوياً كالتي لا يعانيها، من دون حسد، زملاؤهم في مقر وزارة الثقافة ومؤسساتها الأخرى وسط دار السلام، بغداد!
ولا أدري السر وراء اختيار مثل هذا الفضاء النائي الغريب لمؤسسة ثقافية وثيقة الصلة بالمثقفين وأصحاب المصالح المتعلقة بالطباعة والتصميم والنشر، وما يتصل بذلك من "روح وتعال"، وندوات، ومعارض كتب، ومهرجانات، وتقديم مقالات ومخطوطات للنشر، ومكافآت، إلخ. فهو موقع أصلح لأن يكون لمؤسسة أمنية، مثلاً، أو معتقل، أو مصحة بعيدة عن إزعاجات الصخب السكاني والتلوث البيئي للمرضى! وإذا كان المكان قد صلح يوماً ما مقراً لمجلة "آفاق عربية" أيام الزمن البعثي البغيض، لا رده الله، وعريناً افتراضياً لشفيق الكمالي لم يفلح في النأي به من غدر رفيقه الطاغية مع هذا، فقد كان بالإمكان، وما زال، معالجة الأمر بطريقةٍ ما، إذا كان لا بد لدار الشؤون الثقافية العامة أن "تتواجد" بعيداً عن أهلها!
وكان بإمكان وزراء الثقافة، الذين لم يفلحوا في إنجاز شيءٍ جدّي للثقافة يُبقيهم في ذاكرة الناس، أن يخففوا في الأقل من عناء الروح وتعال عن المثقفين وأصحاب المصلحة اليومية في الطباعة والنشر، وينشّطوا حركة النشر الثقافي المتراجعة كثيراً، لهذا السبب وغيره، على صعيد المجلات والكتب التي تُصدرها الدار. وذلك عن طريق إنشاء مكتب في مقر الوزارة يتولى تنظيم اتصالات المثقفين والفنيين والمؤسسات المختلفة بدار الشؤون الثقافية، وهي في عرينها النائي، من نواحي التأليف والنشر وتأمين إيصال المكافآت وحقوق التأليف الأخرى لمستحقيها، وتسوية علاقات الدار بمختلف الجهات ذات العلاقة .. صعبة؟!