ساهمت أزمة السيولة النقدية في السنتين الأخيرتين وهبوط أسعار النفط الخام، فضلاً عن الأوضاع الأمنية المتذبذبة، في استفحال ظاهرة الاكتناز النقدي لدى المواطن العراقي المدفوع أيضاً بضعف ثقته بالنظام المصرفي بسبب ضعف هيكلية الأخير وصعوبة التعامل في عمليات
ساهمت أزمة السيولة النقدية في السنتين الأخيرتين وهبوط أسعار النفط الخام، فضلاً عن الأوضاع الأمنية المتذبذبة، في استفحال ظاهرة الاكتناز النقدي لدى المواطن العراقي المدفوع أيضاً بضعف ثقته بالنظام المصرفي بسبب ضعف هيكلية الأخير وصعوبة التعامل في عمليات الإيداع والنقل المالي.
وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن كتلة نقدية كبيرة في حدود 40 ترليون دينار، هي الآن خارج الدورة الاقتصادية، لأنها مكتنزة في البيوت والمحال، وهذا مما يؤثر في النشاط الاقتصادي وعمليات الاستثمار والتنمية.
المستشار المالي لرئيس الوزراء د . محمد مظهر صالح، يقول في حديث خص به (المدى): إن ظاهرة اكتناز النقد متواجدة بكثرة في الدول النامية، وبضمنها العراق، أي أن المواطنين يكتنزون نقودهم في البيوت خارج الائتمان المصرفي، وهذا يعتبر اقتطاعاً من دورة الدخل التي تكتمل في المؤسسات المصرفية المهتمة بجمع الأموال، وعمل دورة الدخل التي تحقق الاستفادة الكبرى للنشاط الاقتصادي، مشيراً إلى أن هناك عاملين لعدم استثمار المواطنين في المصارف، عدم قدرة تلك المصارف على التفاعل مع الجمهور بسبب عادات وتقاليد اجتماعية متوارثة في المجتمع، وضعف الهيكل المصرفي الذي يسهم في عدم الترويج لثقافة استثمار المواطن في البنوك، وبالتالي هناك حالة تردّد وخوف من استثمار الأموال في المصارف والبنوك الحكومية والأهلية على حد سواء .
يضيف صالح قائلاً: أن الاستثمار في المصارف والبنوك مرهون بضمانات حقيقية للمواطن وتيسير أمر سحب أمواله وتشغيل تلك الأموال من قبل البنوك والمصارف ضمن الدورة الاقتصادية، وبالتالي قدرتها على الاقراض ضمن قروض مرجعة وهذا ما يحرّك السوق، لافتاً الى أن، ازمة السيولة النقدية في السنتين الأخيرتين وهبوط الاسعار العالمية للنفط الخام وريعية الاقتصاد الوطني، حجّمت من دور المصارف و إمكاناتها بالترويج لثقافة الاستثمار.
وبيّن صالح، أن الترويج وإشاعة ثقافة الاستثمار في المصارف وحث المواطن على الادخار سيرفع من معدلات السيولة في المصارف وبخاصة تحريك القروض باتجاه المستفيدين منها والحد من حاجة البلد للقروض الخارجية، وبالتالي تحريك العجز من جهة وتحريك الفائض عن المواطن.
ولفت صالح، الى أن رئاسة الوزراء، صادقت على مؤسسة ضمان الودائع التي تم اقرارها منذ سنة تقريباً، الا أن عملها لم يرَ النور، والذي هو عبارة عن ضمان حقيقي لأموال المواطنين عند ايداعها في المصارف والبنوك الحكومية، وبالتالي تقل عمليات الخطر والمجازفة في الأموال المستثمرة، مشيراً الى أن، أهم الخطوات للتشجيع على الاستثمار في المصارف، هي السندات المنفتحة على الجمهور والتي تقترض منه وتسد حساباته من خلال الشركات، وهذه أساليب لامتصاص السيولة المكتنزة لدى المواطن وزجّها في دورة الدخل بالشكل الصحيح من خلال حماية الودائع.
ويرى صالح، أن على الحكومة خلق مؤسسات الثقة ورفع الحاجز النفسي بين المصارف والبنوك من جهة وبين المواطن من جهة أخرى، وتنظيم حملات التوعية للمواطن بمخاطر الاكتناز ومنها تعرض النقود المكتنزة للتلف.
ومن جهته قال الخبير المالي الدكتور احمد بريهي، في حديث خاص لـ(المدى): إن النقود هي العملة عند المواطن والودائع هي الاموال في المصارف والبنوك، وبالتالي من الطبيعي أن يحتفظ الاشخاص والشركات بالنقود في خزائنهم الخاصة لتمشية الأمور اليومية.
بريهي أضاف أن، السنوات العشر الأخيرة انخفضت فيها نسبة العملة من النقود، واتجه التعامل مع المصارف والبنوك بصورة اكثر من قبل المواطن، لافتاً الى ضرورة تسهيل عمليات النقل والايداع من قبل المؤسسات المصرفية، حتى لا يستثقل المواطن التعامل معها، وتعزيز الأمن في البلاد، كون هناك عمليات مراقبة للمصارف والبنوك من قبل العصابات والجماعات المسلحة.
وتابع أن هناك عدّة برامج تم طرحها لتطوير الآليات المصرفية، وقد أثبتت السنوات الأخيرة تحسناً كبيراً جداً في الخدمات المصرفية من خلال زيادة الوعي للمواطن وموظف البنك أو المصرف من خلال ترغيب المستفيد بإيداع أمواله وبكميات مختلفة.
ويرى بريهي، عدم وجود اموال مكتنزة: بل هناك اموال في التداول، وهذه متواجدة في كل دولة بين ما يسمى عملة نقدية وودائع مالية، وما نأمله أن تنخفض نسبة العملة لصالح الودائع في المصارف.
ويلاحظ بريهي، أن العملة المتداولة تقدر ما بين 35 – 40 ترليون دينار عراقي، وهذه الكمية لا تعتبر كبيرة اذا ما تم حسابها على النسبة السكانية للعراق ومتوسط الناتج المحلي للفرد والذي يقدر بـ6 ملايين ونصف المليون دينار، ووسط الانخفاض في اسعار النفط واكتناز الفرد ما يقرب مليون دينار عراقي هذا لا يعتبر اكتنازاً فوق العادة .
يذكر أن البنك المركزي العراقي دعا المواطنين في وقت سابق الى اقتناء السندات الوطنية بدلاً من اعتمادهم على اكتناز الأموال، وأكد أن تلك السندات ستحقق لهم "فوائد مالية جيدة".
وأكد محافظ البنك المركزي علي العلاق، خلال مؤتمر صحافي، إن السندات الوطنية "ستحقق للمواطن عوائد مالية جيدة"، مبيناً أن، البنك المركزي وضع فائدة على السندات، بحيث تنافس الفائدة الخارجية، لافتاً الى أن، البنك المركزي يرغب بجلب الفائدة للمواطن من خلال السندات الداخلية بدلاً من اللجوء الى طرح سندات خارجية.
وكان البنك المركزي قد أعلن في كانون الثاني 2015، أن الاحتياطي المالي للعراق يعادل مرة ونصف الكتلة النقدية، معتبراً أنها "أفضل المعدلات" في دول العالم، وفيما أكد أن المؤسسات المالية العراقية "غير قادرة" على تغطية العجز المالي، شدد على ضرورة إعادة النظر في هيكلية الموازنة والإنفاق وتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستثمار بشكل أوسع لمعالجة انخفاض أسعار النفط.