كانت وما زلت الدولة العراقية ومنذ عقود طويلة تعمل على وفق آلية ما يضمن لها ديمومتها وبقاءها، فقد رفع البعثيون بعد اسبوع من انقلابهم عام 68 شعار(جئنا لنبقى) ولم يكن بناء البلاد ومستقبل أبنائها إلّا ليشكل الغاية الأدنى في سلّم أولوياتهم، وهكذا كانت آلية الدولة بعد العام 2003 وإلى اليوم، فهي تعمل على وفق ما يبقيها قائمة، لا بما يعزز من اهميتها في البقاء، وهكذا كانت كلمة المالكي(بعد ما ننطيها) استمراراً للشعار ذاك، فأوصلوا البلاد الى ما هي عليه الآن. لذا فالحكومة غير معنية بشرف الكلمة أو القيمة الاجتماعية لأبنائها .
كل دولة لا تملك فلسفة في سياستها لا يمكن أن تسمى دولة بالمعنى الحرفي للكلمة، وكل ممارسة غير مدروسة او مرتجلة ستجلب نتائج سيئة في النهاية، ونتذكر كيف جعل صدام حسين من شيوخ العشائر يرقصون مثل القردة أمامه، لكننا لا نعدم أنه انتفع منهم في مرحلة ما بعد 91 غير ان الانتفاع لم يستمر طويلاً، حيث أنتج لنا نظاماً عشائرياً سيئاً وسلوكاً قطيعياً متخلفا، جعلنا نتقزز من صورهم على الشاشة آنذاك. وما حدث قبل ربع قرن لا يختلف عن الذي أنتجته سياسة نوري المالكي في المنطقة الغربية والجنوبية أيضاً، فقد شاهدنا كيف سخرت الجماهير من الشيوخ الذين رقصوا امامه.
قد تنتفع الدولة مما تمرره من مبالغ ومسدسات ورشى ووعود بعقود ومناقصات على بعض متملقيها، لكنها ستنتج لنا طبقة متخلفة، رجراجة، ذات وجوه عدة، لا يعتمد عليها في بناء مجتمع طامح متطلع لمستقبل أفضل، كان صدام حسين يعلم جيداً بأنَّ هؤلاء لا يحبّونه، وهم يعلمون بانه سفاح دكتاتور قاتل، وبمعنى آخر أن كلا الطرفين يعلم عن يقين ما يفكر به الطرف الآخر، وممارسات دنيئة وتسول فكري مثل هذه دخل البيت ومرر في المدرسة والشارع والسوق وصولا الى قبة البرلمان.
ادّعاء التدين عند حكامنا انتج لنا طبقة اجتماعية مزيفة، ولو أن مركزا بحثياً عمل استفتاء يستقصي فيه صورة المتدين في المجتمع ، ويسأل السؤال التقليدي جداً: هل كان التدينُ مانعاً للفساد والسرقةَ والتطاول على الآخرين؟ بمعنى آخر، هل سيتخلى المتدينون الحاليون، -وهم حكامنا اليوم- عن الأراضي والبيوت والقصور التي كانت بحوزة رجالات النظام السابق؟ ويقبلون بتحويلها الى مؤسسات مدنية رسمية تابعة للدولة وتستخدم لصالح أبناء الشعب؟ قطعا ستكون الاجابة لا.
لم تقتصر منظومة النفاق والتلون والظهور بمظهر المُحسن التي ظهر ويظهر بها الكثير من الساسة العراقيين عليهم حسب، إنما انتقلت الى طبقة الموظفين الذين يعملون بإمرتهم ومنها الى صغار الضباط وجنود الحمايات حتى بلغت ضمير الانسان العراقي، وباتت عرفاً، وما يقوم به الجنود في نقاط التفتيش من لطف وسماحة مع مرتدي الزي الديني وأصحاب السيارات المظللة وذوي النظارات السود جزءٌ مما انتجته منظومة النفاق تلك.
الشيوخ يرقصون أمام الحكومة
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2017: 09:01 م