TOP

جريدة المدى > سينما > المربّع دقّة هندسية مُطلقة.. لكنه ليس بالضرورة سبباً للانتظام

المربّع دقّة هندسية مُطلقة.. لكنه ليس بالضرورة سبباً للانتظام

نشر في: 1 يونيو, 2017: 12:01 ص

سعفة «كان » الذهبيّة إلى السويدي روبين أوستلوند عن فيلمه « المربّع »
أُسدل الستار على الدورة السبعين لمهرجان «كان » السينمائي الدولي ومنح المخرج الإسباني بيدرو آلمودوفار ورفاقه في لجنة  التحكيم الدولية &laquo

سعفة «كان » الذهبيّة إلى السويدي روبين أوستلوند عن فيلمه « المربّع »

أُسدل الستار على الدورة السبعين لمهرجان «كان » السينمائي الدولي ومنح المخرج الإسباني بيدرو آلمودوفار ورفاقه في لجنة  التحكيم الدولية «السعفة الذهبية » إلى فيلم «ذا سكوير - المربّع» للمخرج السويدي روبين أوستلوند الذي عُرض في الأيام الأولى من المهرجان، وحظي منذ ساعة عرضه باستقبال جيّد من النقد والمشاهدين.
وبرُغم تفضيلات بعض النقّاد لأفلام أخرى، إلاّ أنّهم نأوا بأنفسهم عن انتقاد لجنة آلمودوفار على هذا القرار وقوبل بترحاب معقول من قبل الجميع، كون الفيلم يستحق جائزة كبيرة، لجودته ولكون اسم مخرجه تكرّر في قوائم مسابقات عديدة أخرى مُذْ بدأ مشواره السينمائي، مخرجاً ومُنتجاً، في عام 2004، وكان آخر جائزة نالها هي جائزة مسابقة «نظرة ما » في الدورة الثامنة والستين من مهرجان « كان » نفسه، وذلك عن فيلمه «فورس ماجّور» - ظروف قاهرة -، وتميّز هو الآخر، كما يقول أوستلوند نفسه، بكونه “مسيراً ما بين الكوميديا الساتيرية والدراما”. وحافظ أوستلوند في هذا العمل أيضاً على تلك الآصرة الغامضة بين هاتين الرؤيتين إلى الحياة والأشياء.
ويحوي عنوان الفيلم نفسه ذات الغموض، وهو ما واجهناه في الترجمة الأولى بعد العرض، إذْ تحمل كلمة سكوير معنيي «الساحة » و  «المربّع » ولكون المربّع الذي يُصممّه الفنان ومدير متحف الفن الحديث «كريستيان » يقوم في الساحة التي يُطلّ عليها المتحف، فقد توقّعنا العنوان « ساحة » وليس  «مربّعاً».
تدور حكاية الفيلم حول الناقد الفني ومنظّم معترض الفن المعاصر «كريستيان»، الذي يحظى بتقدير واحترام كبيرين في مجال تخصّصه. ويحمل المعرض المقبل الذي يُعدّ له عنوان «المربّع »، وهو عبارة عن تشكيل بنائي يدعو البشر إلى تفضيل الإيثار، واضعاً الجميع أمام مسؤولياتهم، لكن ما يحدث يُظهر صعوبة أن تعيش وفق المبادئ التي تؤمن بها وتدعو إليها. ويتزامن في لحظة واحدة حدثان يقلبان رأساً على عقب حياة  «كريستيان » الهادئة رُغم المشاكل الحياتية التي يواجهها، فمن جانب يتعرّض إلى السرقة، من الجانب الآخر تُصدر الوكالة الإشهارية للمتحف شريطاً دعائياً للمعرض الجديد « المربّع »،  يولّد ردة فعل عارمة من قبل الإعلام، لم يكن يتوقّعها « كريستيان » أو يترقّبها، ويدفعه كل ذلك، وهو الشخص الهادئ والواثق من نفسه، إلى اقتراف خطايا تلو الأخرى، أعسرها ما يقترفه أمام ناظري ابنتيه.  
انتظام المربع لا يقود بالضرورة إلى انتظام الذات
يضع أوستلوند شخصيته الرئيسة، «كريستيان» وأبطاله الآخرين أمام الملأ في ساحة مفتوحة المداخل. وتتحرّك تلك الشخصية ومجاوراتها في فضاء مفتوح، لكنّها لا تبدو قادرة على الخروج من الإطار المربّعي الذي رُسم لحياتها، فأينما ولى «كريستيان » وجهه، إنّما يجد نفسه أمام ذات المساحة وذات الزاوية، فـ “أضلاع المربع وزواياه متساوية ومتوازية”.
لكن هل يقود ذلك التساوي وذلك التوازي إلى تساوٍ بين البشر وتوازٍ بين ما هم عليه وما يطمحون إليه؟
ذلك هو السؤال الذي يطرحه المخرج عبر « كريستيان » بالبناء الفني الذي يُعد له كمعرض مقبل للفن المعاصر في المتحف الذي يُديره. ولغرض تشييد القطعة الفنّية المعاصرة يتم هدم وإزالة تمثال كلاسيكي يقوم في منتصف الساحة. التشكيل المعاصر الجديد لا يحظى بالقبول المطلق من قبل النقد وتحاول الصحافة التنقيب في التناقضات بين تصريحات «كريستيان » وتقديماته للمعارض، وصولاً إلى مواجهة بينه وصحفية بريطانية تطلب منه تفسير مقطع غير مفهوم في تقديمه لأحد الأعمال الفنّية، يتساءل هو نفسه عن حقيقة ما إذا كتب تلك الجمل بالفعل.

الطيبة سلوك لا تصبح خصلة دون الاختبار
ليست «الطيبة» إلاّ سلوكاً بشرياً مقترناً باللحظة التي يمرّ بها المرء، ولا تُصبح هذه «الطيبة» خصلة طبيعية ودائمة إلآّ إذا ما اقترنت بالأداء الطيّب المتواصل فعلاً، وإذا ما أردنا اكتشاف طيبة إنسانٍ ما ينبغي علينا رؤيته في لحظة تعرّض مصالحه إلى الخطر، بصرف النظر عن مقدار ذلك الخطر. وهذا ما يحدث لـ « كريستيان »، فهو وإن كان مقتنعاً تمام الاقتناع بضرورة السلوك الطيب وبعدالة القضايا الكبيرة، يتهاوى أمام أول اختبار، وهو، برُغم التزامه بقضايا مجتمعية كبيرة وقيادته لسيارة كهربائية لا تلوّث البيئة، لا يتردّد من إزاحة وتدمير نُصب قائم، لتحقيق تشكيله الفني الجديد. هو أبٌ حريصٌ على منح طفلتيه كل الحنان المطلوب رُغم كونه مطلّقاً من زوجته، لكنّه لا يتردّد عن اقتحام مغامرات عاطفية أو لقاءات جنسية عابرة تخلقها اللحظة. وهو مع العدالة في توزيع الثراء والتعامل الإنساني مع الفقراء والمهاجرين، لكنّه لا يتردّد من استخدام المتسوّل المُعدَم كخادم في لحظة الحاجة. هو مناهض لتوصيف المهاجرين باعتبار الكثير منهم لصوصاً، لكنّه يتحوّل إلى ما يُشبه وكيل النيابة ليوجّه الاتّهام ضدّهم عندما يتعرّض إلى سرقة هاتفه المحمول ومحفظة النقود من جيبه، من قبل سُرّاق محترفين، بيض البشرة وشُقر الرؤوس. وهو أيضاً العاجز عن الاعتذار وتلبية طلب صبي مهاجر تعرّض هو وعائلته إلى الإهانة المجتمعية بسبب بيان مطبوع وزّعه «كريستيان » في الحي الذي يُتوقْع أن يسكن فيه سُرّاق هاتفه المتنقّل.
وهو أيضاً، ورُغم عاطفته العميقة مع إبنتيه، من لا يتورّع عن عنف تجاه الصبي الذي لم يُطالبه إلاّ بالاعتذار عن التهمة التي ألصقها به وعائلته.

تجاور الساتيرية مع الدراما
يقول أوستلوند عن فيلمه الأخير“ بالضبط كم كان الحال لفيلمي السابق « ظروف قاهرة »، فإن فيلمي الجديد «المربّع » هو عبارة دراما ساتيرية، أردت من خلاله إنجاز فيلم أنيق، بإمكانيات بصرية وخطابية قادرة على تحريض المشاهد وإمتاعه في آن”، ويُضيف “ كفكرة، يتحرّك الفيلم ما بين موضوعات عديدة، من بينها المسؤولية والثقة، الغني والفقير، السلطة وفاقدي السلطة، تنامي الإيمان لدى الأشخاص واندثاره لدى المجتمع. وريبة الدولة تجاه لإعلام والفنون”.
« المربّع » عمل كثيف وعميق بإيقاع حيوي بتواصل، تمكّن المخرج خلاله من تحقيق تجاور جميل ما بين مأساوية الحالة واللمسات الكوميدية، ويظهر ذلك بجلاء في مشهد « ثورة » شخصية أحد أعمال الفيديو آرت المعروضة في المتحف، حين يخرج «الموديل» من إطار العرض، ليُثبّت قانونه ويطالب بما سُلب منه عبر وضعه صورة على جدار عارض فحسب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram