TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جئناكم بـ"الخصخصة"

جئناكم بـ"الخصخصة"

نشر في: 31 مايو, 2017: 09:01 م

يلهج المسؤولون الحكوميون، خلال الأشهر الأخيرة، بالحديث عن "الخصخصة" بطريقة توحي بأنها باتت تشكل حلاً سحرياً لمعالجة الأمراض المزمة التي يعاني اقتصادتنا من تفاقمها.
حماسة مسؤولينا المفرطة لتبنّي هذا الخيار لم تنحصر بالقطاعات الخدمية فقط، بل قادتهم إلى توسيع الدائرة لتشمل قطعات حيوية كالكهرباء والامن والتعليم، رغم انه خيار لم يثبت نجاحه في بيئتنا الاقتصادية حتى اللحظة.
لقد بشرتنا حكومات ما بعد 2003 بتحوّل اقتصادي يعتمد في بنيته على الاقتصاد الحر وقوانين العرض والطلب، ومغادرة قبضة الاقتصاد الموجّه التي حكمت العراق منذ الفورة الاشتراكية بعد انقلاب 1963.
وفي هذا الإطار شـرّع قانون للاستثمار، الذي تم تعديله لأكثر من مرة لجذب المستثمرين ورؤوس الاموال، وشكلت هيئة استثمار وطنية، وهيئات استثمار محلية في جميع المحافظات. لكن النتيجة، إننا تحولنا الى أكبر سوق استهلاكية مفتوحة في المنطقة، تعاني من إغراق ممنهج أطاح بهياكل صناعتها وزراعتها. وأدى ذلك الى ارتفاع معدلات البطالة بين العراقيين الى 25%، بحسب آخر إحصائيات وزارة التخطيط.
هذا النهج المتخبط، الذي عانى منه الاقتصاد العراقي خلال العقد الاخير، حوّل الدولة من راعٍ ومنظم للانشطة الاقتصادية الى أكبر مصنّع للوظائف العامة. وهذا ما تسبب بارتفاع عدد موظفي الدولة من 800 ألف موظف قبل العام 2003، الى اكثر من 4 ملايين موظف، يضاف لهم نفس العدد ممن يتقاضون مرتبات التقاعد والإعانات الحكومية.
ورغم أنها فشلت بإجراء إصلاحات اقتصادية، وليس التحول الاقتصادي حتى، إلاّ أن الحكومة تريد إقناعنا بنجاعة الخصخصة في وقت لا تؤمن بالشفافية، ولا تلزم نفسها بمكاشفة الرأي العام.
إذ تفترض الحكومة، بطواقم خبرائها ووزرائها، وجود قطاع خاص قادر على الدخول في شراكة معها. لكنّ المعطيات تكشف بأننا أمام قطاع خاص طفيلي يعتاش على مقاولات الحكومة وقروضها وتسهيلاتها، الفاسدة والمشبوهة أصلا. وهذا ما يفسر الازمة المالية الخانقة التي يعاني منها رجال الاعمال والمقاولون بسبب سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة منذ 2014، التي أدت بدورها إلى عدم إيفاء المقاولين بالتزاماتهم مع المصارف الحكومية والأهلية التي منحتهم القروض والتسهيلات.
لقد أدى تفكيك الخدمات العامة بعد 2003، بذريعة تنشيط القطاع الخاص، الى أن يشهد العراقيون تناقص وسوء مفردات الحصة التموينية التي رصد  لها ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنويا.
كما لم يقدم القطاع الخاص، الذي بشرت به حكومات العراق الجديد، سوى شوارع متآكلة، ونفايات تملأ المدن، ومياه شرب ملوثة، وتدني خدمات الصحة والتعليم. لقد ادى تخلي الحكومة عن دورها في قطاع الاتصالات، الى احتكار غير منظور يمارسه المشغلون، الذين باتوا يخضعون 30 مليون إنسان تحت رحمته. وكذا الحال في جولات تراخيص النفط التي أعادتنا الى ما قبل قرار التأميم.
وبعد ان سارت الحكومة بمشروع خصخصة الكهرباء عبر الترغيب والترهيب، وبدأت بخصخصة أمن طريق طريبيل بذريعة ارتفاع الحوادث المرورية، ها هي تطل علينا بمشروع لخصخصة توزيع النفط. ولا ندري هل ستكون الولاية الاولى للحكومة كافية لخصخصة ما تبقى من مشاريع المياه والنقل والزراعة والتعليم؟
يبدو أن الحكومة لا تريد إشغال نفسها بالبحث عن حلول تضمن حماية الثروات، وإنعاش الاقتصاد، وتشغيل العاطلين، لأنها تؤمن بحكمة تقول إن "لكل أزمة خصخصة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram