كنا ومازلنا نطمح بتقويم الواقع الرياضي منذ عام التغيير2003 حتى الآن، بعدما تم الانقضاض على المواقع وحلب المزايا بشراهة (من البعض) دون خوف أو تحسّب، إذ أن العديد من المؤسسات الرياضية استغلّت فراغ السلطة المركزية الرقابية بنظامها الإشرافي الأكاديمي وليس العقابي الذي طغت عليه حكايات الرضوانية وإهانات الرياضيين المقصّرين وغيرها الأمرّ من حقبة الماضي القريب.
لكن طموحاتنا ما تزال تصطدم بصعوبة تمرير مقترح لإنشاء مجلس أعلى للرياضة بمستوى مجالس مهمة في الدول العربية، مثل مصر والسعودية والإمارات وغيرها، وإن تبدّلت المسمّيات برغم وجود وزارة للشباب ولجنة أولمبية في منظومتها الرياضية الحكومية والأهلية، إلا أن واقعنا بقي مُشتت القرار، كلٌ يعمل لأجل مصلحته ونفوذه ومصالحه مهما تغنّى الجميع بحب الوطن.
المركزية في القرار الرياضي ليست حكراً ديكتاتورياً لشخصية متسلّطة كما ورثنا صورها في المخيلة ما قبل عام التغيير، بل هيبة للرياضة العراقية أمام الآخرين، كما أن التقيّد بالصلاحيات تقويّ صاحبها ولا تعرّضه للنقد أو الشكوى ضده، وهذا ما يشكّل نقطة التقاطع بين العديد من المفاصل الرياضية كما حصل في اليومين الماضيين من تراجع سريع في بارومتر العلاقة بين وزارة الشباب واتحاد الكرة على خلفية اشتراط الوزير عبدالحسين عبطان، تسديد الاتحاد مبلغ إيجار ملعب كربلاء الدولي مقابل خوض منتخبنا الأولمبي مباراتين وديتين مع نظيره السوري، وهو ما أثار حفيظة الأخير على لسان رئيسه عبدالخالق مسعود، أثناء اتصالنا به لاستيضاح حقيقة الأمر مؤكداً ذلك، ومضيفاً أن المباراتين سيتم إقامتهما في أربيل بإقليم كردستان رداً على موقف الوزارة لأنها مهمة وطنية، واستغرب ذلك كون بعض الدول العربية التي تضيّف مباريات الوطني لا تطالبنا بثمن اللعب على ملاعبها - حسب قوله -!
استغراب في محله صراحة، والأغرب منه، أن تطالعنا صحيفة الشرق الأوسط السعودية صباح أمس السبت، بتصريح للوزير عبطان، كشف فيه عن اتصالات يقوم بها مع الاتحاد السعودي لكرة القدم، لغرض تأمين مباراة للمنتخبين، لكن الاتحاد لم يبد حماسة للموضوع، متمنياً أن يتلقى منه الرد الايجابي قريباً! ولا ندري أين دور الاتحاد المحلي هنا، هل لديه علم بكل ما يجري بخصوص ذلك، ثم كيف يلعب الوزير دور المفاوض مع الجانب السعودي، وهناك شركة متخصصة (iast sport) ترعى مصالح المنتخبات العراقية؟!
نأمل أن لا يدفعنا النجاح فيما تحقق بمدينة البصرة بجهود مشتركة بين الوزارة واتحاد الكرة، والرغبة في الانفتاح لتنظيم المزيد من المباريات، لتناسي الصلاحيات واللوائح وعدم مراعاة الاتفاقيات في جزئيات تثير اللغط في القطاع الرياضي نفسه والشارع الرياضي، في وقت نحتاج الى التماسك ووحدة القرار بعيداً عن النفوذ كشخص أو منصب.
وعندما نحذّر من العواقب الوخيمة لمثل هكذا شرخ بين مؤسستين مهمتين، لا نختلق أية مشكلة، بل لنسهم في حلها بروحية العراقيين الأصلاء، وها هي أولى المشاكل التي فجّر كواليسها بشجاعة محمد هيجل، مدير شركة عشتار للإنتاج السينمائي والتلفازي، في شكوى حقيقية نقلها للرأي العام من خلال إيجازه بالتصرفات التي واجهتها شركته والأطراف الأخرى المدعوة لحفل رفع الحظر في البصرة، ونعلم أن الرجل نقل ذلك عبر صفحته الشخصية (الفيس بوك) ليس من باب إفساد النجاح الباهر الذي كان من أبرز المساهمين مع ملاكيه الهندسي والفني فيه، لكن لتنبيه مسؤولي وزارة الشباب واتحاد الكرة والجهات المساهمة معهم سواء القوات الأمنية والدوائر الخدمية لتفادي تكرار ما حصل في المرّات المقبلة.
نعم نحتاج الى صراحة هيجل، ومن يضيف عليها أية ملاحظات، يمكن أن تخدم ملف القضية أفضل من مجاملات مفضوحة للترويج عن جهود فلان وعلان، وبالتالي نقع في المحذور وربما تُنسف الآمال بأخطاء كارثية إذا لم نحترس لها.
أما موضوعة الإهانة التي ركّز عليها هيجل، في سطور مصارحته، فذلك مُستهجن من الإعلام ورجالات الكرة السابقين وأيّ ضيوف مدعوين لتشريف الحفل أو القيام بمهمة لإنجاح المباراة، وفي الوقت نفسه، لن يتهربوا من الحضور في المباريات العشر والعشرين مهما كانت الظروف، ويسجلون الموقف الوطني وفضح المسيئين، مثلما نطالب هيجل بكشف هوية مرتكبي الحماقة هذه، ويقتضي الأمر فتح تحقيق لمحاسبة المقصّرين وإبعادهم عن أية مناسبة مستقبلاً ينعكس تصرّفهم على سمعة البلد ، ثم ماذا سيكون موقف مسؤولي المحافظة ووزارة الشباب واتحاد الكرة، في حال كان المتضرر إعلامياً أو رياضياً من خارج العراق، هل من توضيح للطرفين على ما أورده مدير الشركة "الناقل الحصري" لمباراة رفع الحظر؟!