TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بغداد .. العشوائيّة !

بغداد .. العشوائيّة !

نشر في: 19 يونيو, 2017: 07:10 م

adnan.h@almadapaper.net

بعد عشر سنوات من الآن من المحتمل جداً أن تتحوّل بغداد برمّتها إلى مدينة عشوائيات، مادامت أي جهة في هذه الدولة لا تريد أن تتحرّك أو تفعل شيئاً متوجّباً لوقف هذه السلسلة غير المنقطعة من التجاوزات والتعديات الجارية على الأرض في عاصمة البلاد.
أمس نشرت هذه الصحيفة تقريراً أفاد بأن عدد سكان العشوائيات في بغداد يتجاوز حالياً المليونين و600 ألف نسمة. الأرجح أن العدد أكبر بكثير، فالرقم الوارد هنا تقديري وليس ناجماً عن إحصاء دقيق. وإذا افترضنا أن العدد في حدود ثلاثة ملايين نسمة فإنه عقب عشر سنوات يمكن أن يُضاف إلى هؤلاء نحو مليون نسمة من المواليد الجدد للعشوائيين الحاليين (المعدل السنوي للنمو السكاني في العراق يبلغ 3 بالمئة، وهو من أعلى المعدلات في العالم). وليس من المستبعد أيضاً أن "يغتني" العدد بمليون آخر من العشوائيين الجُدد القادمين من المحافظات الأخرى، فليس ثمة ما يحول دون التجاوز حتى في قلب العاصمة.
بطبيعة الحال لا يمكن عقد الآمال على  أمانة بغداد أو محافظة بغداد أو حتى قيادة عمليات بغداد والأجهزة الأمنية الأخرى لكي تعمل، منفردة أو مجتمعة، على مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة حتى من الناحية الأمنية، ففي العشوائيات عادة ما تنشأ البيئة المناسبة للإرهاب والجريمة المنظمة. ومن اللازم الإشارة الى حقيقة أن ّالكثير من العشوائيات والتجاوزات، إنْ في بغداد أو في المدن الأخرى، يحظى بحماية من جماعات سياسية نافذة في السلطة وأخرى مسلحة، ما يجعل من الصعب على الأجهزة المختصة الحؤول دون تكاثر العشوائيات التي لا يقتصر تجاوزها على الأراضي المُشيّدة عليها وإنما يمتد إلى الخدمات العامة، وبخاصة الكهرباء والماء والصرف الصحي.
صحيح أنّ أزمة السكن الحادّة في البلاد يُمكن اعتبارها السبب الرئيس لتفشّي ظاهرة العشوائيات والتجاوز على الاراضي والاملاك العامة والخاصة، لكن على نفس الدرجة من الاهمية يأتي غياب الدولة ... والدولة هي القانون وأجهزة تطبيق القانون. القانون يُسجّل غياباً لافتا في دولتنا. في الشارع على سبيل المثال لا ترى تطبيقاً للقوانين والأنظمة الخاصة بالسير والمرور أو بالشارع والرصيف، والشارع هو المدخل لاختبار هيبة الدولة، فالسائق الذي يعتاد على عدم الالتزام بنظام المرور، وصاحب الدكان الذي لا يهاب شيئاً وهو يحتلّ الرصيف أمام دكانه لعرض بضاعته، لن يتردّد أيٌّ منهما عن التجاوز على سائر القوانين والانظمة وعن عدم الاكتراث لهيبة الدولة.
في تقرير الأمس يعلن أحد أعضاء مجلس محافظة بغداد "أنّ هناك تنسيقاً مع الحكومة لإجراء حملة وطنية للقضاء على المناطق العشوائية وإخراج المتجاوزين منها من خلال تعويضهم من قبل الحكومة الاتحادية وبناء وحدات سكنية له" .. هذه حملة سنبقى نسمع بها من الآن إلى عشر سنوات من دون تحقيق نتيجة، وسنجد أننا نحتاج في الواقع إلى حملة وطنية لحمل الحكومة على فرض هيبة الدولة وسلطة القانون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram