يُنسب الكاتب البوليفي إيدموندو باز سولدان إلى ما يُدعى بجيل مكوندو من الكتّاب، الذي ابتعد عن الواقعية السحرية كما هي محشودةً في بلدة ماكوندو الخيالية لغابرييل غارسيا ماركيز . و هو يُظهر موهبةً أصيلة في روايته (Sueños digitales )،هذه الحكاية ال
يُنسب الكاتب البوليفي إيدموندو باز سولدان إلى ما يُدعى بجيل مكوندو من الكتّاب، الذي ابتعد عن الواقعية السحرية كما هي محشودةً في بلدة ماكوندو الخيالية لغابرييل غارسيا ماركيز . و هو يُظهر موهبةً أصيلة في روايته (Sueños digitales )،هذه الحكاية الذكية و القاتمة التي تنطوي على التلاعبٍ التصويري.
إنه يوم مضجر آخر في المكتب بالنسبة لسباستيان الخاسر الكاذب الذي يحلم، مثل صحافيين أميركيين لاتينيين كثيرين، بالشهرة و الثروة لكنه لا يتوقع إلا حياةً في عملٍ منخفض الأجر ما لم يلاحظ أحدهم موهبته. فهو فتى تصاميم يعمل لصحيفة ذات مستوىً عالٍ. و هو يمتلك إمكانات مالية بائسة، غير أن لدى الصحيفة اليومية آخر البرامج الكومبيوترية وأحياناً تشعر بوليفيا بنفسها أنيقةً مثل نيو يورك، كما جاء في مقال جورجينا جيمينيز هذا.
و في لحظة ثورة، يقرر سيباستيان أن يملأ الصفحة 3 من الصحيفة بدمج تشي غيفارا مع أعز مصدَّر قانوني لبوليفيا... راكيل ويلتش. فترفع مزحة المصمم هذه من توزيع الصحيفة و تعزز سمعتها.
ويُصبح خلق الأوهام هاجساً بالنسبة لسباستيان وتجعل إبداعيته الفنية هذه سمعته كساحر صور تكبر إلى حد أنه يُكلَّف ذات يوم بمحو اللقطات الأشد قتامةً في حياة الرئيس.
و هو فخور بما يفعل، لكنه مع هذا يعرف أن هذا خطأ جسيم، إلا أنه لا يملك الشجاعة لإخبار زوجته. و يختلق أعذاراً تمكّنه من الذهاب إلى مهمته في ممرات متاهية في بناية تُدعى ( القلعة )، حيث يعمل أشخاص آخرون في عزلة.
و ينتهي الأمر بالفنان التصويري محشوراً في زاوية، ومبعداً عن الأصدقاء و الأحباء على حد سواء، و أية محاولة للإفلات من النظام تورطه أكثر في شبكة السلطة.
وهو يدرك أنه في هذه الورطة بسبب غطرسته أو تكبره ــ إذ يعتبر نفسه " فناناً بارعاً "، بعد كل شيء، و يُبدي ازدراءً نحو أولئك الذين يحاولون أن " يغشّوا " طريقتهم في الإدراك ــ لكنه يقرر أن يبرر ما يفعله بحجة أنه يًعيل زوجته الحبيبة .. إلى أن يكون الوقت متأخراً جداً.
وتروى هذه القصة المثيرة بطريقة بسيطة، لكن بانسيابية، مع التعليق بدقة على التأثيرات الحاصلة على أميركا اللاتينية من العولمة، و التكنولوجيا، والتمدّن ــ و هي نتائج يمكن أن تكون قابلة للتطبيق حقاً في أوروبا أو أي مكان آخر.
ومن المنعش أن نرى أن كتّاب أميركا اللاتينية الشباب يندفعون ببطء بعيداً عن إغراء، أو توقع القراء في الخارج، لمجرد إعادة خلق المادة المقولبة المثيرة و السهلة الاستعمال التي خلّفتها ( مائة عام من العزلة) لغارسيا ماركيز.
و ليس من المصادفة أن يختار باز سولدان أن يقرن الوجه الذي يأسف بوليفيون كثيرون الآن لحذفه من التاريخ (غيفارا) مع الصورة التي ما يزال معظم البوليفيين فخورين بالازدهاء بها ( ويلتش ).
إن التشوش السحري لسباستيان والتساؤل عن تخيلاته الواهمة الموضوعة جنباً لجنب مقابل الواقع الواضح يسمحان للمؤلف بالتوسع في البحث عن هوية المرء و مكانه في الحياة. و يصبح بيكسيل، و هو شخص غريب رقمي آخر يعمل مع سيباستيان و يصادقه، مسكوناً بهاجس خلق لحظات سعيدة في ماضي أبيه، بينما حياته تذوي بفعل مرض السرطان. و يدرك بيكسيل أن " مهارته الحِرَفية " ليست بجودة تلك التي يتمتع بها سيباستيان و يُظهِر احتراماً كبيراً لصديقٍ ينتهي به الأمر، بدوره، إلى أخذ موقعه. و لا يبدو أن هناك مَن ليست لديه رغبة في أن يُخفي من المشهد العام اللحظات المكدّرة.
و أخيراً فإن إيدموندو باز سولدان مؤلف لثماني روايات، من بينها ( مسألة رغبة ) و ( هذيان تيورِنغ ). و قد فاز بجائزة الكتاب الوطني البوليفي في عامي 1992 و 2003، و اختارته مجلة ( السياسة الخارجية ) في عام 2008 واحداً من المفكّرين الـ 50 الأكثر تأثيراً في المنطقة. و هو يدرّس الأدب المكتوب باللغة الأسبانية في جامعة كورنيل.
عن: The Latin American
Review of Books