العراقيون أكثر شعوب العالم تمسكاً بالماضي لأسباب كثيرة من ابرزها استقرار الأوضاع الأمنية على الرغم من سيطرة الحزب الحاكم على السلطة ، حتى جعل معارضيه يختارون المنافي حفاظا على ارواحهم ، فيما تعرضت عائلاتهم لمضايقات وملاحقات . من اصابته نيران جحيم الماضي اقتنع بان فرصة العيش في مستقبل زاهر بلون "بمبي ولموني" ، اصبحت من المعجزات ، ولم تتحقق حتى في الاحلام ،بفضل جهود "الخيرين من ابناء هذه الامة" المصرين على التمسك باهدافهم ومكاسبهم ، وتجاهلهم تلبية مطالب الشعب في توفير الخدمات والحفاظ على أمنهم ، ومع مواصلة المسيرة الثورية الى الوراء على طريقة البعير بحسب المثل الشعبي ، لم يعد هناك من خيار سوى العودة الى الحياة البدائية بكل مظاهرها لمن يريد الحفاظ على حياته من تقارير الحشود الالكترونية وعصابات السلاح المنفلت .
العودة الى البدائية فيها فوائد كثيرة في مقدمتها التخلص من ضجيج وصخب المدينة ، وزعيق سيارات الدفع الرباعي ، والاستغناء نهائيا عن الحاجة الى الطاقة الكهربائية . ومن فوائدها الأخرى وتناول أطعمة نباتية تمنع حصول ارتفاع ضغط الدم والسكر ، وتسوس الاسنان والتهاب القولون المزمن ، اما مواجهة قساوة الطبيعة من غبار وجفاف وحرارة مرتفعة فستكون بقلوب مؤمنة بقدرها والفائدة الاخرى الكبيرة جدا ، الاستغناء بشكل نهائي عن الاجهزة الأمنية فلا حاجة لوجود عناصر الجيش والشرطة وفصائل مسلحة سيطرت على ارصفة شوارع العاصمة.
من خاض معترك العمل السياسي من الجيل السابق في بلد قدر له ان يعيش وعلى مدى عشرات السنين على فوهة بركان ، نقل معاناته الى الجيل الحالي مع نصيحة لتفادي تكرار التجربة والابتعاد عما تعرض له الاسلاف بالتوجه الى البدائية والرحيل الى المناطق الصحراوية واختيار طريقة عيش الاجداد الاوائل ، بنصب الخيام واداء طور العتابة والنايل على انغام الربابة والتخلص نهائيا من "وجع الراس" اليومي ومتابعة الفضائيات وتصريحات السياسيين والمسؤولين.
يقال ان الشعوب المتحضرة في بعض البلدان، تخلت نهائيا عن رجال الأمن، إلا باستثناءات قليلة جدا تتعلق بمواجهة نشاط المجاميع الارهابية القادمة من الخارج . عندما يختار دعاة العودة الى البدائية الصحراء ملاذاً امناً دائماً لهم ، سيعطون صورة مشابهة لحال السويسريين في المضمون فقط ، وليس بالشكل، لأن الفارق كبير ولامجال للمقارنة ، والقاسم المشترك الوحيد هو الاستغناء عن الجهد الرسمي في حفظ الامن .
يتطلب خيار العودة الى البدائية للتخلص من هموم الحياة اليومية ومعاناتها خطوة جدية من الراغبين في خوضها في التخلي اولاً عن وسائل الاتصالات الحديثة ، واعتماد" الطروش" للاطلاع على اخر اخبار المنطقة الخضراء .
الازمات العراقية المستعصية يمكن معالجها بمنح جميع الزعماء السياسيين إجازة مفتوحة للالتحاق بمرجعياتهم الإقليمية ، والاستغناء عن حشودهم الالكترونية ، مثل هذا المقترح الخيالي يصلح ان يكون السيناريو الملائم لمرحلة ما بعد داعش ، وليس من المستبعد ان يتحقق هذا الخيار بجهود الولايات المتحدة حين يستجيب الرئيس الأميركي لنداء العراقيين وقد اختزله الشاعر الشعبي محمود العكيلي بالقول :
واعدنا ريس ترامب يحسن الاوضاع ................. من كثر عدنا البوك حتى الطفل جاع
يا للهول طركاعة ومصيبة .
يا مصايب الله
[post-views]
نشر في: 30 يونيو, 2017: 09:01 م