TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > واثيونغو والبيئات المنتجة للكراهيّة

واثيونغو والبيئات المنتجة للكراهيّة

نشر في: 1 يوليو, 2017: 09:01 م

من الصعب أن تغدو انسانيتنا  اكثر سطوعاً وتأثيراً من انتمائنا الوطني، كما أنه  من العسير على المرء أن يتلبس قناع الانسانية الضيق وهو مسكون بزهو جنسيته وقوميته وطائفته وحتى جنسه، فعندما  يكون  المرء ذكراً متألهاً  تتزاحم في رأسه     سمات الذكورية المتباهية التي شرعنتها الأديان وفقهها وأججتها النزعات الشوفينية الموروثة والثقافة المجتمعية ؛ فنجده  يتميز غيظاً من مزاحمة الجنس الثاني  له  في الشارع  عندما  تسبقه سائقة  سيارة  ماهرة وفي الوظيفة عندما تتفوق عليه موظفة منتجة متفانية وفي صفوف الانتظار لدى بوابات الدوائر الرسمية عندما  يُخصص صف ٌ خاصٌ بالنساء ففي موروثه الثقافي لابد له أن يتقدم الجميع.
تنتشي شعوب بعض البلدان بتاريخها الاستعماري وترى في حاضرها امتداداً للسطوة القديمة على بلدان الهوامش التي استعمرتها وبالتالي على مواطني تلك البلدان أن يعاملوا كحاملي ثقافات بدائية، وتبرز حالة الغطرسة على الآخر المختلف في فرنسا - بخاصة - مهما حاول الفرنسي اظهار تحضره إزاء الغريب، وتتفاقم نزعة التعالي لدى المسنين الذين لبثوا يقتاتون كالطفيليات على ماضي بلدهم الكولونيالي ويزهون بطبقاتهم الارستقراطية والقابها وتقاليدها وشعارات نبالتها  ويعد هؤلاء المسنون المتغطرسون كل ماهو غير فرنسي أمراً مغلوطاً زائداً عن حاجة الوجود وأشبه بخطأ وراثي أو تشويه متعمد للحياة، ويرون في الغرباء ذوي الملامح الآسيوية والعربية والافريقية أناساً بلهاء بدائيين يمثلون مجتمعات ماكرة وشريرة تسعى للثأر، بخاصة وأنهم  يتدفقون على بلدهم الجميل لتدميره انتقاماً من كولونيالية آفلة، وقد اثبتت (الجماعات الاسلامية  المتشددة) هذه الرؤية لاحقاً وأكدتها في كثير من بلدان الغرب والشرق وفي بلداننا ذاتها. لكن الأمر في حقيقته لايتعلق بثقافة التشدد أو ثقافة التسامح بقدر مايتعلق بتركيبة المجتمعات الثقافية وتكوين  الفرد النفسي وتقاليده الحاكمة.
يفسر لنا هذه الحالة المركبة الروائي الكيني نغوغي واثيونغو في حوار ترجمته له وظهر في كتابي (فيزياء الرواية وموسيقى الفلسفة) يقول واثيونغو (العلاقات الإنسانيّة لا تُمارَسُ في فراغٍ بل تتطوّرُ في سياقٍ محكوم بمؤثّرات كثيرة: البيئة، الاقتصاد، السياسة، الثّقافة، والنفس البشريّة ذاتها أيضاً، ومن المؤكّد أنّ تؤثر أوجه مجتمعنا هذه وكثيرٌ غيرها في نوعيّة العلاقات الإنسانيّة بطريقة جوهريّة ) واثيونغو  مثقف وكاتب يشغل اليوم منصب أستاذ اللغة الإنكليزية والأدب المقارن ومديراً للمركز العالمي للكتابة والترجمة في جامعة كاليفورنيا في أرفين وهو رجل خبِر طبيعة المجتمعات التي رزحت تحت وطأة  الكولونيالية الغربية وعانى منها مثلما عرف المجتمعات الكولونيالية ذاتها وعاش بينها، حاول من جهته الرد على الهيمنة الثقافية الكولونيالية المتجذرة في المجتمعات الافريقية الناهضة في كتابه  الشهير ( التخلص من استعمار العقل: السياسات اللغوية في الأدب الافريقي )  وبدا كتابه هذا دعوة وطنية متشددة  ترمي الى نبذ لغة المستعمر والكتابة باللغات المحلية المهملة ابتغاء بناء هوية محلية للأدب الأفريقي، وقد جوبه بانتقادات وتساؤلات حول هذه الدعوة، وفهمها البعض بأنها  خطوة نحو الانغلاق تنطوي على تشدد ثقافي وموقف من لغة عالمية كاللغة الانكليزية، إلا أنه عمل شخصياً على كتابة روايته  ( الشيطان  على الصليب)  بإحدى اللغات المحلية، وبعدها  اتخذ قراره  النهائي والحاسم: أن لا يكتب أية رواية أو مسرحية  إلا بلغته المحلية، وبهذا برهن لنا مثال واثيونغو على أن المواجهة بين السلطة المهيمنة والشعوب المقهورة  قد تنتج  أنماطاً متشددة من السلوك الثقافي تبلغ  حدّ  الكراهية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram