الممثل في المسرح وفي السينما وفي التلفزيون يحمل صفة الأزدواجية المتمثلة بأدائه، فهو نفسه الأداة التي يعبّر بها عن صفات الشخصية التي يمثلها، وهو أيضاً مادة التعبير عن تلك الصفات وبهذا يختلف عن الفنانين الآخرين – الرسام والنحات والموسيقي الذين تنتقل أداتهم عن مادتهم الفنية، فالرسام له الألوان وله الفرشاة وهو له اللوحة التي يرسم عليها الصورة التي يختارها، والنحّات له الطين والحجر والنحاس وغيرها وله الأزميل الذي ينحت به منحوتته، والموسيقي له الآلة التي يعزف عليها والمعزوفة التي يؤديها أو يؤلفها، ويمكن القول أن الراقص والمغني مثل الممثل يحملان صفة الأزدواجية. للممثل ثلاث مهام رئيسة في العمل المسرحي أو التلفزيوني أو السينمائي: الأولى، هي محاكاة الهيئة الخارجية للشخصية التي يمثلها وتشمل هذه الهيئة جميع الصفات الجسمانية والصوتية والسلوكية. الثانية، هي محاكاة الحياة الداخلية للشخصية، ويقصد بذلك تبني غرائز واحاسيس ومشاعر وانفعالات تلك الشخصية. الثالثة، هي ايصال أفكار ورؤى المؤلف أو المخرج الى المتفرج. والممثل الكوميدي يهتم في الغالب بالمهمة الأولى أكثر من المهمتين الثانية والثالثة، وما يهمه بالدرجة الأولى هو اضحاك المتفرج بما يفعله من تغييرات جسمانية وصوتية وما يستخدمه من تقنيات لذلك الغرض، وعليه فهو يقدم ذاته على موضوعة المسرحية أو بالأصح فإنه يستخدم ذاته لتأكيد موضوعة المسرحية. إذا كان الممثل بصورة عامة يتحمل مثل هذه الأزدواجية – ذاته وموضوعة العمل فإن الممثل الكوميدي لا يفكر بها بل المهم عنده هو ذاته أن يهتم بتقنياته الجسمانية والصوتية والنوع وشكل الحركة التي يؤديها لكي تضحك المتفرج وبنغمة الصوت وايقاع الكلام الذي يثير الضحك من غير أن يفكر بإيصال مشاعر وعواطف الشخصية التي يمثلها، ومن غير أن يفكر بأبعاد تلك الشخصية اللهم إلا بالمظهر الخارجي لها.وبناءً على ما جاء أعلاه بوصف الممثل الكوميدي بالنمطي بمعنى أن تمثيله من جميع الأعمال التي يشارك فيها يأخذ اسلوباً متشابهاً مهما اختلفت الشخصيات التي يمثلها نسبياً. وتأتي صفة النمطية من اهتمام الممثل الكوميدي بذاته وبتقنياته الخاصة المقصودة للإضحاك، واكبر دليل على ذلك الممثل النابغة (شارلي شابلن) فقد كان نمطياً في جميع افلامه الصامتة، حيث رأيناه يكرر حركاته وايماءاته في هذا الفيلم أو ذاك ونضرب مثلاً آخر عن نمطية لدى الممثل الكوميدي في شخص الممثل المصري الراحل (اسماعيل ياسين) إذ نراه يكرر التقنيات نفسها في الصوت والجسم في جميع الأفلام التي شارك فيها. النمطية في أداء الممثل الكوميدي سلاح ذو حدين، فمن جهة تكون هذه الصفة لديه هي المحببة لدى الجمهور الذي اعتاد أن يراها في جميع الأعمال واذا لم يؤدها في عمل معين فقد لا يُضحك، ومن جهة أخرى تكون هذه الصفة عاملاً من عوامل الملل، فالتكرار يدعو الى الملل والتكرار يدعو الى الاستنساخ والى الجمود والجمود يعني الموت، وتتحول النمطية من صفة محببة إلى أخرى كريهة. وهنا لا بد من التأكيد على أن الممثل الكوميدي باعتماده على ذاته وتقنياتها انما يحبس نفسه في نطاق النمطية، علماً بأن تلك التقنيات قد تستنزف يوماً ما وتصبح ثقلاً على كاهل الممثل وتخرج عن مجال الابتكار والإبداع.
ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة والوصول الى النتيجة أعلاه، هو مشاهدتي للممثل الكوميدي (إياد راضي) وقد ظهر أخيراً في برنامجين تلفزيونيين لقناتين مختلفتين في المصدر وفي التوجه (الشرقية) و(العراقية) وقد ظهرت بوادر النمطية في ادائه في كلا البرنامجين وتحولت نمطية ادائه الى ما يدعو الى الملل والى الاستنساخ بدلاً من الجاذبية والابتكار مع علمنا بأن (إياد) ممثل متمكن وقادر على التنويع إذا ما مثّل شخصيات درامية مختلفة.
ممثل الكوميديا بين الذات والموضوع
[post-views]
نشر في: 10 يوليو, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...