TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون وادباء: النصر الكبيرفي الموصل لحظة فاصلة عظيمة في حياة العراق

مثقفون وادباء: النصر الكبيرفي الموصل لحظة فاصلة عظيمة في حياة العراق

نشر في: 12 يوليو, 2017: 12:01 ص

 
كُنت قد زرت مخيّماً للنازحين بعد أشهر من خضوع مدينة الموصل لسيطرة إرهاب داعش، ولامستني عيون فتيات تفاوتت أعمارهن بين الحادية عشرة والسادسة عشرة من العمر، وقد وجدت في كل واحدة منهن جزءاً ضائعاً مني، تشظّى مع قسوة أيامي. هذه العيون المبتسمة رغم

 

كُنت قد زرت مخيّماً للنازحين بعد أشهر من خضوع مدينة الموصل لسيطرة إرهاب داعش، ولامستني عيون فتيات تفاوتت أعمارهن بين الحادية عشرة والسادسة عشرة من العمر، وقد وجدت في كل واحدة منهن جزءاً ضائعاً مني، تشظّى مع قسوة أيامي. هذه العيون المبتسمة رغم لمحة الألم التي تشعّ مع بريقها، كانت تسألني "هل سنعود قريباً؟ لبيوتنا، مدارسنا، لعشق المراهقة، لكتبنا المدرسية، لزهرةٍ احببناها في حديقة المنزل، لشارع حمل الكثير من ذكريات الطفولة، لدميتنا؟" وقتها عجزت عن الرد، وما كان لي سوى أن احتضنهن باكيةً كأني احتضن اجزائي المتشظية التي طالما انتظرت أن أجمعها...
ومضت أربعُ سنواتٍ خيّم خلالها الصمت الموحش، والخوف، والدمار، والجهل، على مدينة الموصل، فكما دُمرّت الآثار، والمباني المعرفية والمعالم المهمة، ومؤسسات المدينة، خضع فكر ابنائها وسُكانها أيضاً لذات الدمار، فرضع اطفالها من أضرعة التخلف، وسكنوا مدارسَ علمتهم القتل وسفك الدماء، وكما غابت وجوه النساء خلف خمارٍ اسود غابت عقولهن خلف مُعتقداتٍ لم تجئ بكُتب الخالق السماوية، وكما أطال رجالها لحاهم، وقصّروا أثوابهم، طال بقاء الغيوم السود على تلك المدينة، وقصُرَ عمر الاشياء الجميلة فيها..
لم تُسبى أخواتنا من المسيحيات والايزيديات، والصابئة ولم يغتصبن فحسب، فعند العاشر من حزيران 2014، سُبيت الموصلُ، والتفت حول عنقها الأساور، وربطت بالسلاسل، واقتيدت مغصوبةً نحو ماضٍ مجهول، لتكون في أسرةِ غاصبيها مُكرهةً...اليوم ومع سماعي بيان النصر، لم تكن مشاعري إلا كومة تناقضات، فبين فرحٍ مدججٍ بالحزن، وبين كلماتٍ تفوق عليها الصمت، ودموعٍ علتها الابتسامة، احتضنت ذاتي من جديد، وتنفست رائحة تلك الفتيات النازحات اللاتي التقيتهن قبل اربع سنوات من الآن، إلا أني وجدت أن اجزائي عادت للتشظي من جديد، وامتزجت بتلك الدماء "الوردية" لشبابٍ وفيتة، كان حلمهم أن يعيشوا بسلام، لم تتجاوز طموحاتهم العمل البسيط، وتكوين أسرة، والحصول على شهادة جامعية، إلا انهم ركنوا تلك الطموحات على رفوف الانتظار، وتوجهوا نحو موتٍ يُكلله  فخر الشهادة، لتمتزج دماء إبن الجنوب بتراب مدينة الموصل، وليحتضن ذلك الرجل الاربعيني القادم من اقصى جنوب العراق طفلة الحدباء بين يديه، وليمزقوا أعلام الخفافيش السود، ويغرزوا علم العراق بتراب هذه المدينة... نعم لقد انتصرت الدماء الفتية على المستعمر الجاهلي، لكن هل حررنا فكر ابناء المدينة الذين عايشوا هذا الارهاب، نعم انتصرنا إلا اننا بحاجة لأن ننتصر  بعد انتصارنا هذا، لأننا سنشهد حرباً من نوع آخر وهي حرب الفكر، والمبدأ، والثقافة، هذه الحرب التي لن يخوضها الجيش بل سيخوضها الفنان والاديب والمثقف العراقي، ويبدوا أن مثقفينا على أتمّ الجاهزية لخوض تلك الحرب، فما إن تحررت المدينة حتى انطلقت مبادرة الثقافة واهلها ومشاركاتهم الفنية، لذا تواصلت (المدى) مع مجموعة من المثقفين والفنانين والادباء للحديث إليهم عن الموصل بعد الانتصار؟ وتأثير الثقافة والأدب وسعيهما لتجاوز المحنة الموصلية وما تعرضت له من طمسٍ لملامح الثقافة والحضارة:..

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

رحيل ناجح المعموري ..حارس الاساطير البابلية

مآثر فوق التصوّر

في غياب الأستاذ

‏رحل استاذنا

وجهة نظر: السينما المُدجَّنة: بيان في النقد

مقالات ذات صلة

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة
عام

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة

لطفيّة الدليمي ها نحنُ ثانية على مبعدة ساعات من بدءالسنة الجديدة. أهو حدثٌ كبير؟ جديد؟ يستوجبُ التهيئة المكلفة والتقاليد الإحتفائية المكرورة من سنوات؟ ما الذي يحصل كلّ سنة؟ لا شيء. يتبدّلُ وضع العدّاد ويبقى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram