TOP

جريدة المدى > عام > في حوار مع الأديب والمسرحي عواد علي..نعيش محنة إسمها العراق وأدب الداخل والخارج يضمر موقفاً غير نقدي

في حوار مع الأديب والمسرحي عواد علي..نعيش محنة إسمها العراق وأدب الداخل والخارج يضمر موقفاً غير نقدي

نشر في: 17 يوليو, 2017: 12:01 ص

بدأ ممثلاً وهو في الدراسة الابتدائية عام 1969 في مسرحية اسمها (خالد بن الوليد) وآخر مسرحية مثلها (السياب) مع المخرج دكتور عقيل مهدي يوسف عام 1989 . ومنذ عام 1981 نشر أول قصة حملت عنوان (الطوابق الخمسة) لتتلاحق محاولاته ولتتنوع وتتعدد وتتفرع ليلج الرو

بدأ ممثلاً وهو في الدراسة الابتدائية عام 1969 في مسرحية اسمها (خالد بن الوليد) وآخر مسرحية مثلها (السياب) مع المخرج دكتور عقيل مهدي يوسف عام 1989 . ومنذ عام 1981 نشر أول قصة حملت عنوان (الطوابق الخمسة) لتتلاحق محاولاته ولتتنوع وتتعدد وتتفرع ليلج الرواية والنقد والصحافة وقبلها المسرح الذي عشقه وتدرج فيه وصار استاذاً.. عواد علي أستاذ فنون مسرحية في معهد الفنون الجميلة في الموصل وكلية الفنون في جامعة بابل.. كتب عشرة كتب نقدية في المسرح، نشرت واحدة منها فقط هي " اصوات الغابة" في مجلة الجديد 2016 مثلما اصدر خمسة كتب نقدية في المسرح وعمل في الصحافة قبل خروجه من العراق وبعد استقراره في الأردن.. كل شيء طوع بنانه كما يقول البعض فهو العارف بطرق الحروف الى أيّ اتجاه تسير والى أيّ معمرة تذهب لتحصد نتائجها وتعلن انغماسها في الترتيب الذي تتوق إليه.. سواء كان ذلك قصة أم رواية أم مسرحاً أم صحافة.. فكل الاشياء محمولها الجمال والحرف. وأمام هذا التنوع لا بد أن يبدأ السؤال.

 ما بين الأدب والصحافة والفن.. أي الخطوات التي قادتك أولاً الى مسار الحياة؟
- لنقلب السؤال بطريقة أخرى لكي أجيب، بأن الحياة المتعددة الأوجه والمشارب هي التي أغرتني بأن أنوّع اهتماماتي وأوزعها بين الأدب والفن والصحافة، فقد وجدت نفسي في عمرٍ مبكّر أهوى المسرح، وأشارك في التمثيل مع أصدقائي في المرحلة الابتدائية، واستمر هذا الولع في المراحل الدراسية اللاحقة. ورغم أن مستواي في التمثيل، كما اكتشفت لاحقاً، كان متوسطاً، فقد كان المخرجون في كركوك يسندون لي أدواراً رئيسةً أيام الدراسة الثانوية منتصف السبعينات، لا أعرف لماذا، ربما بسبب حماستي وقدرتي على الحفظ أسرع من الآخرين، أو لإجادتي اللغة العربية وعدم اللحن فيها، حيث كان معظم الممثلين من جيلي ينحدر من قوميات أخرى في المدينة. وفي الوقت ذاته، وبسبب قراءاتي المبكرة للأدب، كنت أكتب نصوصاً شعريةً وقصصيةً ومقالات نقديةً، نشرت بعضها في مجلة الطليعة الأدبية. وحين شعرت بأنني لست موهوباً في التمثيل، على النحو الذي يدعوني إلى الاستمرار فيه، نما لديّ اهتمام بالنقد المسرحي في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية، لذلك دخلت كلية الفنون الجميلة بهدف أن أكون ناقداً، وهذا ما حدث. وخلال الدراسة الجامعية بدأت أمارس العمل الصحفي في جريدة "الجمهورية" ومجلة "فنون". وبعد انقطاع دام بضع سنوات عدت إلى كتابة القصة القصيرة. بالطبع كنت أحلم بكتابة الرواية لكني تهيبت من هذه المغامرة اعتقاداً مني بأن الرواية لا تُكتب إلا في مرحلة نضج أدبي ومعرفي وخوض تجارب حياتية، بما فيها السفر والاختلاط مع أصناف مختلفة من البشر. لذلك لم أجرؤ على كتابتها إلاّ عندما تجاوزت الأربعين وأنا في كندا. وينطبق الأمر أيضاً على كتابة النصوص المسرحية، فلم أقترب منها إلاّ في سن الخمسين.
* حين كنتَ استاذاً في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل كان المسرح همّك الأول، وبعد المغادرة صار الهم سرداً ومتابعة للفن والمسرح خصوصاً.. هل هناك توق للحرم الذي يمنح الفن ألقه؟ أم هي مرحلة وانتهت؟
- المسرح لا يزال يحتل حيزاً كبيراً من همّي أو اهتمامي. قبل مغادرتي العراق أواخر عام 1994، بسبب كارثة الحصار، كنت قد نشرت كتاباً واحداً في النقد المسرحي هو "المألوف واللامألوف في المسرح العراقي" (1988)، ثم نشرت تسعة كتب بين عامي 1996 و2016، وشاركت ناقداً وباحثاً ومحكماً في عشرات المهرجانات المسرحية العربية والدولية. لكني لا أخفيك بأنني بدأت أشعر منذ بضع سنوات بأن صوت الناقد المسرحي، أو جهده ضائع في الثقافة العربية، رغم اعتماد جل الباحثين المسرحيين في الجامعات عليه في إعداد رسائلهم وأطروحاتهم. ولذلك فترت حماستي للنقد المسرحي التطبيقي، وصرت أميل إلى كتابة الأبحاث المسرحية والمقالات النظرية. مقابل ذلك اشتدت حماستي للكتابة السردية فكتبت ونشرت خمس روايات حتى الآن.
* منذ خروجك من العراق وانت تكتب عنه.. هل المحنة أو الغربة التي تصنع المحنة أثر على تكوين الشخصية الجديدة لعواد علي أم أن الحالة طبيعية ولا فرق بين المخيلة في هذا المكان أو ذلك؟
- لا علاقة للأمر بالغربة، إنها المحنة يا صديقي، محنة بلد بحجم العراق ومكانته التاريخية والحضارية، فكيف لا أكتب عنه وأنا مجبول من طينته ومائه وثقافته؟ أليس ما أصابه من كوارث طوال أربعة عقود بسبب حماقات حكّامه، ومؤامرات الخارج عليه كفيلاً بهز وجدان كتّابه وضمائرهم ودفعهم إلى الكتابة عن مآسيه ومحنه وتحولاته؟ لذلك ظل العراق فضاءً وهمّاً في أغلب نصوص الكتّاب العراقيين المغتربين. وعلى الصعيد العالمي تجد أن معظم الكتّاب الذين غادروا أوطانهم لم يبارحوها في أعمالهم الإبداعية، خذ ماركيز مثلاً، فقد ظلت كولومبيا محوراً في جميع رواياته وقصصه التي كتبها في نيويورك وباريس ومكسيكو. كذلك الطاهر بن جلون الذي تجري أحداث رواياته في طنجة والدار البيضاء وفاس ومدن وقرى مغربية أخرى رغم أنه فرانكفوني يعيش في فرنسا.   

* في رواياتك نجد أنك تبحث في داخل الحكاية عن حكمة مفقودة أو عن موضوعة تريد توصيلها يحيطها دوماً شيء من الضياع أو الإخفاء.. هل هي محاولة لاكتمال نقص المكان أو أن استثمار الأشياء يتيح للمخيلة الاتكاء على ما مفقود ومحاولة إظهاره؟.
- لم تعد الرواية حكاية أو سرد أحداث فقط، رغم أهمية هذين العنصرين ومركزيتهما في السرد الروائي، بل أصبحت عالماً يحتضن كل شيء، التاريخ والأسطورة والحكمة والفلسفة والمهمش المسكوت عنه والصراعات على اختلاف أنواعها، بشرط أن يجري استثمارها بمهارة ووعي لكي لا تكون مقحمةً أو جزراً عائمة في بحر النص. وأنا بالفعل أتعمد البحث عن حكمة مفقودة أو موضوعة أحاول إخفاءها لأثري الرواية وأشد القارئ، أو أعاكس أفق انتظاره ليستمتع ويشاركني في التأويل. وللمخيلة في ذلك دور حاسم بالتأكيد.
* في كتابتك نجد تأثيراً وأثراً للفن المسرحي ومرات فن الكولاج وكذلك نرى ما هو يقترب من السيناريو وخاصة في روايتك "أبناء الماء". هل هناك قصدية في ذلك أم هو أثر الاختصاص واستغلاله في بناء شكل الرواية وبنيتها الكتابية؟
- للاختصاص والقصدية حضور أو أثر واضح في رواياتي، لقد تعمدت أن أجعل ثلاثاً منها ذات طابع "بوليفوني" يقوم على الحوارية والتعدد الصوتي، حيث كل فصل يُروى على لسان إحدى الشخصيات. كما أنك تجد تقنية "المشهد" في أغلب فصولها، وأنا أميل إليها لأنها محاولة لإقصاء السارد عن مسرح الحدث أو تحييده وتهميشه، أو إخفائه وراء الشخصيات لتبدو كأنها تعبّر بتلقائية عن نفسها على مسرح الأحداث تماماً مثل المسرحية. أعتقد بأن للمَشاهد الدرامية دوراً حاسماً في تطور أحداث أي رواية، وفي الكشف عن الطبائع النفسية والاجتماعية للشخصيات، ولذلك يعوّل عليها الروائيون كثيراً، ويستخدمونها بوفرة لبث الحركة والتلقائية في السرد، وكذلك لتقوية أثر الواقع فيه. ويحضرني في هذا السياق كتاب "قضايا السرد عند نجيب محفوظ"، للدكتور وليد نجار، فقد أحصى المَشاهد في بعض روايات نجيب محفوظ، مثل "القاهرة الجديدة"، فوجد فيها 33 مشهداً حوارياً متنوعاً، كما بلغت المَشاهد الحوارية في الثلاثية مئة وأربعة وثمانين مشهداً حوارياً متنوعاً. وأحسب أن من النادر جداً أن نجد عملاً روائياً حديثاً اليوم لا يستخدم فيه الروائي تقنية "المشهد". أما ما اصطلحت عليه بفن الكولاج والسيناريو في رواية "أبناء الماء" فإنهما في الحقيقة ليسا كذلك، بل هما لعبة سردية تسرد فيها شخصيتان هما "ميران" و"أفرام" قصتين قصيرتين كتباهما لمسابقة في المدرسة، وكلتا القصتين سرد لأحداث عاشاها في العراق، ومن ثم فهما جزء من بنية الرواية المتعددة الأحداث والشخصيات. إلى جانب ذلك هناك تضمين من الكتاب المقدّس لدى المندائيين الصابئة وهو "الكنزاربّا"، وآيات من القرآن، فضلاً عن مقطع من منشور للصديق الكاتب علي حسين في صفحته على الفيسبوك. وفي فصلين من الرواية تعمدت أن تكون يوميات احدى الشخصيات ومذكرات شخصية أخرى بحرف أسود فبدت كأنها كولاج.   
 * ثمة من يروّج الى مقولة أدب الداخل وأدب الخارج، وهو بالضرورة ينعكس على مقولة أدباء الداخل وأدباء الخارج. هل تعترف أولاً بمثل هذه المقولات أو التسميات ومن ثم ما هو الهدف من إطلاقها؟
- لا أعترف بها على الإطلاق. إنها تعبّر عن وجهات نظر قاصرة، ولم نقرأ عن مثل هذا التصنيف في أي مكان عدا العراق، وأظنه يضمر موقفاً غير نقدي. بمعنى أن مَن أطلقها جاهل هدف منها افتعال موضوع "سمج"، وقد أشرت إلى أن العراق ظل فضاءً وهمّاً في أغلب نصوص الكتّاب العراقيين المغتربين، وهذا يدل على أنهم لا يختلفون عن أقرانهم الكتاب الذين لم يغادروا البلد. لا أحد كتب عن أدب ماركيز أو كاتب ياسين أو ياسمينة خضرا  أو الطاهر بن جلون أو سلمان رشدي بأنه أدب خارج، أو أنهم أدباء الخارج مقابل ما يكتبه أقرانهم في بلدانهم التي غادروها. بصراحة إنه موضوع مثير للسخرية.
* لمن تسعى في الكتابة الأدبية.. إلى الناقد أم إلى القارئ أم هي محاولة لرسم الذات واستخراج المكنون منها والسعي الى صناعة الجمال؟
- هي أولاً محاولة لما وصفتها، فأنا أشعر بكيونتي حينما أكتب، وأعبر عن رؤيتي للعالم، وأنهمك في قضايا العصر، وأحاول أن أجيب عن بعض الأسئلة التي يطرحها الواقع، أو  اشارك في تعميقها وإعادة صياغتها وفلسفتها، ثم أسعى إلى إيصال ذلك إلى القارئ الذي يعنيني بالطبع، وله الخيار في قبوله أو رفضه أو تأويله إعادة إنتاجه عبر القراءة الواعية الخلاقة. أما الناقد فلا أسعى إليه، وأعتبره مثل القارئ الواعي.
* في العراق ثورة سردية وخاصة في الجانب الروائي.. هل تتابع ما يصدر في العراق وهل تعد هذه الثورة حالة صحية أو هي فورة فنجان؟
- ما تسميه بالثورة السرديه له وجهان، أحدهما إيجابي والثاني سلبي. لقد تكوّن طوال عقود انطباع لدى المثقفين العرب مفاده أن العراق بلد شعر وفن تشكيلي ومسرح وقصة قصيرة، وربما كانوا محقين في ذلك لأن الإنتاج الروائي كان قليلاً، لكن الأمر تغيّر في العقدين الأخيرين، ازداد عدد الروايات، وحقق بعضها قفزةً أبداعيةً أعتز بها، وظهر الكثير من الروائيين الجدد، وكان لجوائز البوكر وكتارا وغيرهما من الجوائز الأثر البالغ في حدوث ذلك، وهو أمر له ما يناظره في بلدان عربية أخرى. لكن الوجه السلبي لذلك دخول العديد من ذوي المواهب الفقيرة أو المعدومي الموهبة والخبرة إلى الفضاء السردي وهم ما ينطبق عليه وصف "فورة فنجان"، فاختلط الحابل بالنابل، ما جعل بعض النقاد يعيب على الرواية العراقية ويتهمها بالضعف في تعميم غير منصف. نعم أنا أتابع ما يصدر في العراق من روايات لكتّاب راسخين أو واعدين وأقرأ الجيد منها، وأترك الضعيف منها بعد عشرين أو ثلاثين صفحة.    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

رحيل ناجح المعموري ..حارس الاساطير البابلية

مآثر فوق التصوّر

في غياب الأستاذ

‏رحل استاذنا

وجهة نظر: السينما المُدجَّنة: بيان في النقد

مقالات ذات صلة

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة
عام

مع تباشير العام الجديد عولمة مضادة للسعادات الصغيرة

لطفيّة الدليمي ها نحنُ ثانية على مبعدة ساعات من بدءالسنة الجديدة. أهو حدثٌ كبير؟ جديد؟ يستوجبُ التهيئة المكلفة والتقاليد الإحتفائية المكرورة من سنوات؟ ما الذي يحصل كلّ سنة؟ لا شيء. يتبدّلُ وضع العدّاد ويبقى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram