TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بضمنها الأبنية الأثرية والتراثية الموصلية..داعش دمّر وسرق وأحرق... بانتظار من سيعيد البناء؟

بضمنها الأبنية الأثرية والتراثية الموصلية..داعش دمّر وسرق وأحرق... بانتظار من سيعيد البناء؟

نشر في: 25 يوليو, 2017: 12:01 ص

منذ احتلال محافظة نينوى، أقدم تنظيم داعش الإجرامي على سرقة الآثار والتراث من المتاحف والمناطق الأثرية في المدينة، وأقدم على تدمير أماكن العبادة لكافة الاطياف من دون تمييز، حيث عمد التنظيم إلى تخريب أيّ أثر حضاري وثقافي وديني للمدينة وإزالته، بهدف الت

منذ احتلال محافظة نينوى، أقدم تنظيم داعش الإجرامي على سرقة الآثار والتراث من المتاحف والمناطق الأثرية في المدينة، وأقدم على تدمير أماكن العبادة لكافة الاطياف من دون تمييز، حيث عمد التنظيم إلى تخريب أيّ أثر حضاري وثقافي وديني للمدينة وإزالته، بهدف التغطية على هذه السرقات، التي لا يعرف قيمتها الكثيرون. ولعلّ مشهد تدمير الآثار في متحف الموصل الحضاري، وكذلك مواقع أثرية في مدينتي نينوى والنمرود التاريخيتين، أعطى العالم فكرة أنه لم تبق آثار في المدينة، لكن هناك من يؤكد أن قسماً من الآثار سرق، وعثر على بعضها في مواقع كانت تابعة للتنظيم، وأخرى لم يعرف مصيرها بعد.

 

أقدم كنائس العالم
أقدم داعش على تدمير عشرات الجوامع والمراقد والأضرحة في مدينة الموصل، منذ أن بسط سيطرته على هذه المدينة العريقة، مثل ضريح الشيخ فتحي الذي يعود تاريخه إلى عام 1050 م، وجامع ومرقد الشيخ قضيب البان، الذي يعود تاريخه إلى عام 1150 م، ومرقد الإمام الباهر، الذي يعود تاريخه إلى عام 1240 ميلادية، وضريح الإمام يحيى أبو القاسم، الذي يعود تاريخه إلى 1240، وضريح الإمام عون الدين، الذي يعود تاريخه إلى 1248".. كما"تم كذلك تدمير جامع النبي يونس المشيّد على تلة آشورية، ويعود تاريخه الى عام 1365 م، وجامع النبي جرجيس، الذي يعود تاريخه الى عام 1400 م، وجامع النبي شيت الذي يعود تاريخه الى عام 1647 م. حتى "جامع النوري " أو "الجامع الكبير"  أو "جامع النوري الكبير"  ابرز مساجد العراق التأريخية لم يسلم من التدمير، حيث ظل صامداً ما يقارب 844 عاماً، ونجا من غزو المغول، إلا أنه لم يسلم من تنظيم داعش، ومسجد "النوري الكبير"، بناه مؤسس الدولة الزنكية، الأمير نور الدين محمود زنكي، في عام 1173م، بمدينة الموصل، وسمّي الكبير لسعته وفخامة بنائه، واشتُهر أيضاً بمنارته الحدباء.
كما دمر التنظيم الارهابي أهم المعالم الأخرى التي تم تفجيرها، قبر المؤرخ ابن الاثير الجزري الموصلي (1160-1232)  وتمثالي الشاعر ابي تمام (803-845) وعثمان الموصلي (1854-1923) الشاعر والعالم بفنون الموسيقى، وهناك العديد من الآثار الاخرى التي لم يتم تدوينها وتوثيقها حتى هذه اللحظة ، كمرقد الامام ابراهيم، الذي يعود الى القرن الثالث عشر الميلادي، ومرقد الامام عبد الرحمن، ومرقد عبد الله بن عاصم حفيد عمر ابن الخطاب ومرقد احمد الرفاعي، وعشرات الأضرحة والمراقد الأخرى، ويوجد في الموصل أيضاً أهم واقدم الكنائس في العالم، ككنيسة شمعون الصفا، التي يعود تاريخها الى عام 300 ميلادية، وكنيسة مار أحوديني التي يعود تاريخها الى عام 575 ميلادية، وكنيسة الطاهرة العليا التي يعود تاريخها الى عام 1250 وكنائس اخرى يعود تاريخ بعضها الى  نحو 1500 سنة.

من يعيد إعمار المدينة التراثية..؟
بشأن الاضرار التي لحقت بالابنية التراثية واعمارها، بيّنت مدير الابنية التراثية في محافظة نينوى، ليلى صالح لـ(المدى): بعد اعلان النصر باكتمال تحرير مدينة الموصل، لابد من التفكير بصورة جدية عن كيفية اعادة اعمار المدينة مع نسبة الدمار الهائلة، ولاسيما المدينة التراثية القديمة والتي أصابها الضرر الاكبر. مضيفة: عند رؤية الابنية التراثية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، لا تحضرني سوى المعاهدات الدولية الزائفة والمنادية بحماية تلك المواقع وقت الحروب وتجنب جعلها اهدافاً عسكرية، تُرى ما الجدوى من توقيعها اساساً ومثلها مواقع التراث العالمي وغيرها، ونحن نفقدها في كل حرب تعصف بنا. مسترسلة: انتهت المعركة وهنا تبدأ التحديات نتابع رفع انقاض الابنية المدمرة من قبل جهات غير متخصصة ونقلها الى اماكن اخرى، وهذه خسارة جديدة اخرى تُضاف الى ما فقدناه وهو ما حدث في البعض من كنائس وأديرة قضاء الحمدانية) قره قوش) واجزاء من النبي يونس واخيراً في الجامع النوري.
واستطردت صالح: ومن ثم تبدأ مشكلة الحماية المسلحة لتلك المواقع بعد تحريرها ومع انشغال اغلب صنوف القطعات العسكرية بمعارك التحرير واسناد مهمة مسك الأرض وضبط الأمن لقطعات أخرى. مردفة: ربما  من الصعب توفير قوة حماية لكل موقع منها، لذلك نجد أن مهمة حمايتها حالياً تختلف حسب المنطقة التي يتواجد فيها كل صنف عسكري، في حين أن حمايتها يجب أن تكون من قبل جهة مسلحة واحدة لضبط امنها وتسهيل ادارتها.

مخاوف من سرقات كبرى
وفيما يخص التحديات التي نوّهت لها مدير الابنية التراثية ذكرت: جميع تلك التحديات قد تستمر لسنوات في ظل عدم ايجاد حل مناسب ولا نستبعد حدوث سرقات كما هو الحال في باقي المحافظات العراقية. لافتة: الى الخبر الذي انتشر حول سرقة اكثر من 5500 رقيم طيني وقطع اثرية من العراق سنة 2010 اي بعد مرور سبع سنوات على الاحتلال الاميركي للعراق . موضحة: ما هو الاّ دليل على أن هناك مواقع اثرية كانت بدون حماية كافية حتى ذلك التاريخ ، وربما الى اليوم مما وفّر بيئة جيدة للصوص الآثار للسرقة والتهريب، والخوف اليوم هو من تكرار السيناريو ذاته في محافظة نينوى والذي فعلاً بدأ، ولكن لا اريد الحديث عنه.
واوضحت ليلى: هذا كان فيما يخص حماية المواقع الاثرية والتراثية،  اما عن اعمارها، فإذا لم  تتضافر جهود الجهات المالكة والمعنية بتلك المواقع سواء كانت اثرية أم تراثية، فلا يمكن أن نتقدم ولو بخطوة في طريق اعادة بنائها. مؤكدة: المهم الآن هو وضع خطة عمل واضحة ومفصلة لكل موقع وفق سقف زمني محدد وبخلاف ذلك ستنتج العديد من الاخطاء . مستطردة: ولتلافيها اجمالاً ربما نحتاج الى الاطلاع على تجارب الدول الأخرى التي تعرضت لظروف مشابهة في عقود سالفة وكيفية استعادتها لمواقعها الاثرية والتراثية المدمرة وبنائها مجدداً ، وقد تكون درسدن ووارشو أو حتى مدينة بوسنة من أكثر الامثلة الواقعية لذلك.
وبينت مدير الابنية التراثية في محافظة نينوى: تتلخص عملية اعادة الاعمار بإجراء اسعافات اولية لتلك المواقع وتوثيقها وانقاذ بقاياها ضمن عمل منهجي ومنظم والتي سيتم الاستفادة منها في اعادة اعمار تلك المواقع. مردفة:  اما بخصوص المواقع التي دمرت كلياً وجرفت وتم رفع انقاضها وتغيير استخدامها كما هو الحال في ضريح النبي جرجيس والنبي شيت وغيرهما، مضيفة: هنا لابد من تشكيل لجان خاصة تنظر في امكانية اعادة اعمارها بمواد انشائية حديثة ووفق التصميم والمخطط الاولي لكل مبنى.

قرارات شجاعة وحكومات واعية
استاذ الانثروبولوجيا الثقافية في جامعة الموصل، موفق ويسي محمود ذكر لـ(المدى) أن حقبة داعش خلفت شروخا عديدة في المجتمع الموصلي بخاصة والمجتمع العراقي بعامة، منها الصراعات متعددة المستويات في مجالات" الدين والمذهب والطوائف" والتي من المتوقع ان تستمر لفترات زمنية لاحقة طويلة نسبيا. مشدداً: ولغرض مواجهة النتائج ، ارى من الضروري وضع خطة اجتماعية تنسجم مع حجم التحديات وتتواءم مع مجموعة من الخطط السياسية والاقتصادية والتنموية في اطار ستراتيجي موحد.
وأضاف محمود، أن الخطة الاجتماعية هذه تنقسم الى مستويات أو برامج تكون قريبة المدى، ويمكن ان نسميها برامج عاجلة وتحت عنوان" انقاذ ما يمكن انقاذه" وتحتوي على برامج اعاده ترميم الاسرة، وتقديم المساندة الاجتماعية ..على شكل فرق رعاية اجتماعية ومراكز استشارات اسرية. متابعاً: وحماية الاطفال الذين فقدوا أسرهم ورعايتهم ومنعهم من الضياع لكي لايكونوا لقمة سائغة للعصابات والانحراف كذلك اسناد النساء اللاتي بقين بدون معيل ومساعدتهن في لملمة ماتبقى من أسرهن وتوفير سبل العيش الكريم لهن.
واسترسل استاذ انثروبولوجيا: وبرامج متوسطة المدى، وهذه تكون بواسطة وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني، ويكون دورها بشرح حقيقة ماجرى وتوضيح طبيعة العيش في المجتمع. مستطرداً:  فكل ماحدث كان غريبا على المجتمع المتعايش، ويكون لهذه المنظمات ولوسائل الاعلام دور اساس في ردم الفجوة التي خلفها داعش في حياة المجتمع. واشار محمود الى برامج بعيدة المدى والتي تكون بإعادة النظر في برامج التربية والتعليم وفي محتوى العملية التربوية، وفي محتوى الخطاب الديني والاعلامي والبحث عن نقاط الفصل في كل منها، ومن ثم اعادة صياغتها جميعاً بما يغرس الصورة الاصلية للدين وبما يركز عن عناصر السلام والتسامح التي هي جوهر الدين. مؤكداً: أن اعادة النظر ومن ثم اعادة البناء تتطلب قرارات شجاعة وحكومة مركزية وأخرى محلية واعيتين، ورجال خدمة عامة وسياسيين نزهاء وشريفين، وكما تحتاج اختيار الرجال ذوي الكفاءة والمخلصين والمتفانين لخدمة المجتمع. مشدداً: بدون ذلك فإن كل سنحصل عليه هو المزيد من الفساد وبالتالي المزيد من التردي في هوة عميقة لاقرار لها.

مكتبة الموصل العامة
وفيما يخص تدمير الكتب والمخطوطات القيمة، بيّن  الباحث الأكاديمي معن عبد القادر آل زكريا لـ(المدى): المكتبة العمومية في الموصل لم تسلم من  يد "داعش "اذ حطمت بوابتها التي كان منقوش عليها الثور المجنح، بالاضافة الى حرق وتمزيق اغلب المراجع من الكتب والصحف والمجلات والدوريات. مبيناً: أن تاريخ هذه المكتبة يعود الى عام 1921 اذ نشر في الثالث من كانون الأول سنة 1921 نداءً في جريدة الموصل ذي العدد 317 جاء فيه : من الناظر إلى أهالي الموصل للتبرع بإهداء الكتب العربية القديمة، أرجو أن تنشروا في جريدتكم هذه الدعوة إلى إهداء كتب عربية للمكتبة المقترح تأسيسها. مضيفاً: ركزّ الناظر على كتب تفسيرات القرآن الكريم ومُذكرات أصحاب الرحلات والجغرافيين والشعراء مثل (صحيح البخاري والحريري وابن خلكان (وفيات الأعيان) وأبن بطوطة وياقوت ومحمد أبن جرير الطبري وأخبار الرسل والملوك) ، ورجا المعنيين أن يرسلوا هذه الكتب إلى دائرة المعارف لكي تقوم دائرته بترتيبها وتنسيقها لديهم في البرنامج ريثما يتم تأسيس المكتبة العمومية.
وأضاف زكريا: أشار الناظر في رسالته إلى أنّ إنشاء المكتبة وتزويدها بالكتب لدليل على رقي العلوم والمعارف وأهميتها لصالح المدينة للاستفادة منها من قبل المطالعين، وما أن نُشر النداء حتى تسارع أهالي الموصل بالتبرع بالكثير من كتبهم لإنشاء هذه المكتبة. مسترسلاً: وبعدها توالت رسائل الثناء والتشجيع على هذه الخطوة في سبيل بث الوعي الفكري وإحياء التراث العربي في المدينة. متابعاً: وقد عرفت المكتبة في ذلك الحين بأسم المكتبة العمومية، وكانت تقع في بادئ الأمر في بناية بلدية الموصل مقابل مركز السراي في منطقة باب الطوب، ثم انتقلت إلى بناية المدرسة الثانوية الشرقية حالياً وما تزال هناك كثير من الكتب مختومة بختم المكتبة العمومية ومثبت عليها سنة التأسيس 1921 للميلاد .
وبيّن الباحث والاكاديمي الموصلي: وفي سنة 1927 قامت بلدية الموصل بإنشاء بناية مستقلة للمكتبة في مكان دائرة الهندسة القديمة تحولت البناية الآن بعد أن هدمت، إلى موقف سيارات وقرب منطقة الجسر الحديدي القديم وكان قد تبرع بإنشائها الحاج حسين حديد وكيل رئيس البلدية للفترة 1927 – 1929 وأطلق عليها اسم مكتبة الأمير غازي وافتتحت رسمياً في الأول من شهر شباط سنة  1930. متابعاً: استمرت المكتبة على استقبال الكتب الجديدة والمراجع القيّمة إلى أن ضاقت بها المكان ، فاتجهت نية رئيس البلدية يومذاك خير الدين بن حسن العمري إلى إنشاء بناية جديدة للمكتبة.  
وأوضح زكريا:  تداول المجلس البلدي في جلسته التي عقدت في شهر تموز سنة 1951 ، واقترحوا استثمار جزء من المبالغ المرصدة لمدرسة الحاج زكر) ومن إيرادات أوقافه ، كذلك من المبالغ المرصدة (لمسجد الحبيطي) . إلا ان الموضوع لم يبت فيه فتم تأجيله. متابعاً: ومن ثم، وفي مرحلة لاحقة تمت الموافقة على إنشاء البناية في موقع (القشلة العسكرية) قرب حديقة الشهداء، وتمت إحالة المناقصة إلى المتعهد (سالم جلميران) بكلفة (12 الف دينار) للمباشرة والتنفيذ ، وتمت توزيع رقاع دعوة الافتتاح باسم (مكتبة غازي العامة) في عصر يوم الاثنين العاشر من شهر تشرين الثاني سنة (1952).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram