كرس كتاب (حياة الصورة وموتها) ريجيس دوبريه فيلسوفاً مهتماً في واحد من أهم المجالات في الفلسفة المعاصرة، ذلك هو مجال التأثير المؤسساتي للدولة في إعادة تشكيل وعي الفرد عبر تقنية الإعلام، في تطوره الالكتروني ومن خلال (الصورة) التي تعد أهم عناصره.
فالكتاب الذي جعل من دوبريه فيلسوفاً يمتلك منظوراً منهجياً صارماً هو تأمل في تطور الصورة عبر مراحل تاريخية مختلفة من الاشكال البدائية الأولى انتهاءً بما يطلق عليه (القنبلة الرقمية).
مايهمنا هنا في كتاب دوبريه هو الجزء الذي أسماه (مابعد الفرجة) الذي يتحدث فيه عن تأثير الصورة الفوتغرافية على الرسم ثم تأثير السينما على ظهور التلفزيون الملون، ثم تأثير التلفزيون الرقمي على هذه جميعها..
(يوميات كارثة) هو العنوان الذي يختاره دوبريه ويتابع فيه تأثير الصورة الفوتغرافية على الرسم التي اثمرت عن ارتقاء هذا الأخير عبر اعادة اختبار مصادره الخاصة بغية امتلاك تفرده.. ثم ظهور السينما التي يرى دوبريه انها سيدة الفنون جميعاً، بأعتبار أن الفن السائد هو فن الفنون، أي ذلك الذي يملك القدرة على ادماج أو تشكيل الفنون الأخرى على صورته، الفن الذي تتجلى منه وحدة شعورية، تعطي كمّاً اكبر من المعاني.
الرسام الفرنسي فيرناندليجيه ومن فرط وقوعه أسيراً في شراك السينما، كان عليه أن يهجر الرسم، تماماً مثل (فرانسيس بيكابيا) أو (مان راي) وهو مايؤكد وقوف هذا الفن في مواجهة الفنون الأخرى، يوصفه اكثر اصالة.
وفي الوقت الذي ظل فيه التصوير الفوتغرافي اكثر من نصف قرن يسعى للتقرب من الرسم، فإن الرسم حقق ذلك منذ اللحظة التي أعلنت فيها السينما عن وجودها، وهكذا يلجأ كل من (دوشامب) و(جوان جريس) و(بيكاسو) الى المونتاج، وتسعى كل من التكعيبية والمستقبلية بذكاء فطري للتطفل على هذا الوليد التقني الجديد.
إنه الفن الأكثر قرباً من وسائل الاتصال... ولم تعد أن نذهب لنشاهد، تعني زيارة معرض، وانما الذهاب الى السينما، إنه الفن الذي يذهب النوم عن عيون المراهقين، انه القمة اللامعة للمظهرية الاجتماعية.
يرى دوبريه أن للشعراء السبق على الفلاسفة في الاعتراف بالسينما كفن. فقد ادرك ابولينير واراغون وبريخت وبريفير منذ البدء رهانات هذه التقنية، الى حد انهم عملوا في السينما.. ولم يتغرب الكتاب إلا قليلاً بهذا الاختراع البصري، الهجين بين (السوقي) و (المتأدب) بين (الشعبي) و (النخبوي)... فقد تعاطت السينما منذ بدايتها في المكتوب والمطبوع.. وأغلب الأفلام المشهورة قد محت وميّزت في الآن نفسه نصوصاً كبرى من روايات ومسرحيات.
وانطلاقاً من أن للأيام، غروبها الضروري، فإن دوبريه يرى ومن خلال رصده للتحولات التاريخية للصورة، أن العنصر السينمائي غداً (شيء ينتمي للماضي).. على الرغم من اننا سنظل نرى أفلاماً رائعة لزمن طويل.
يقول دوبريه في كتابه: «حين يغدو كل شيء مرئياً، فلا شيء يغدو ذا قيمة، فتجاهل الاختلافات يتقوّى مع اختزال الصالح في المرئي والمظهر، باعتباره مثالاً يحمل في طيّاته جرثومة فتّاكة تتمثّل في التشابه، فتحظى كل المُثل المتميزة بعيانية اجتماعية قوية، وما ينتج عن ذلك هو أن لغة الأغنى، تصبح لغة كل الناس، وقانون الأقوى هو القاعدة المثلى».
يوميات الكارثة
[post-views]
نشر في: 26 يوليو, 2017: 02:35 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...