TOP

جريدة المدى > تحقيقات > قرارمنع التصدير يسري عليها..الصناعات الحرفيّة في واسط تقاومُ الاندثار والمستورد..رغم صعوبة المنافسة

قرارمنع التصدير يسري عليها..الصناعات الحرفيّة في واسط تقاومُ الاندثار والمستورد..رغم صعوبة المنافسة

نشر في: 28 يوليو, 2017: 09:01 م

تمثّل الصناعات الشعبية جزءاً مهماً من الهوية الفلكلورية لشعوب العالم، إذ تعمل الدول على الاهتمام بها ودعمها من خلال تشريع القوانين التي تحميها لما تشكل من موروث شعبي، بالإضافة لاستثمارها في مجال السياحة، لكن في العراق، الإهمال أوصلها حدَّ الاندثار كس

تمثّل الصناعات الشعبية جزءاً مهماً من الهوية الفلكلورية لشعوب العالم، إذ تعمل الدول على الاهتمام بها ودعمها من خلال تشريع القوانين التي تحميها لما تشكل من موروث شعبي، بالإضافة لاستثمارها في مجال السياحة، لكن في العراق، الإهمال أوصلها حدَّ الاندثار كسائر المرافق الأخرى، واسط تميّزت بمجموعة من الصناعات الشعبية الفريدة التي جعلتها مقصد جميع المحافظات المجاورة، خدمها في ذلك موقعها الاقتصادي، السجّاد والبساط والعباءة الرجالية والعقال ومستلزمات الخيل وأدوات الزراعة البسيطة التي تستخدم لليوم، المسألة تكمن في إهمال حكومي واضح في التشريع الذي يحمي المنتج الوطني من خلال الحدّ من المستورد وفرض ضرائب عليه، فاستخدام التكنولوجيا الحديثة في تلك المنتجات وبأسعار تنافسية جعل الجميع" يلجأ إليها .

الحياكة هويّة واسط الفولكلورية
تمثّل الحياكة هوية فلكلورية لمحافظة واسط، حيث حياكة العباءة الرجالة التي تعتبر من أساسيات الزي العربي والعقال والسجّاد الحياوي "نسبة الى قضاء الحي" من أجود أنواع السجّاد في العراق والعالم العربي وأخذ تسمياته من البيوتات التي تجيد حياكته (السويطي، اللامي، الدلفي)، بشغف وحسرة  تروي الحاجة نعيمة (70) عاماً لـــ(المدى) ذكرياتها مع الحياكة، كنا صغاراً نتوارث المهنة عن أمهاتنا وجدّاتنا، بحيث تجلس النسوة مع البنات الصغار لينسجن سجّادة، وهن يتسامرن ويتجاذبن أطراف الحديث، مردفةً: تدربت في أول الأمر، على الغزل وأنا لم أتجاوز الـ (14) عاماً على يد أمي، كانت مهمتي في البداية تنظيف الصوف وغسله، بعدها تقوم والدتي بصبغه بألوان متعددة، فهناك من يفضّل السجّاد السادة على الألوان. مضيفةً: بعد فترة قليلة، سمحت لي أمي بالحياكة بعد أن تأكدت من قدرتي على ذلك.
وتؤكد الحاجة نعيمة: في السابق كنت أنسج سجادتين في الأسبوع أو أكثر وأبيعها على تاجر للسجّاد، ليذهب بها الى بغداد، ومرة قال لي أنه يريد سجّاداً بقطع صغيرة كي يبيعها على السيّاح الأجانب. مبينة: كنا نزيّن السجّاد بأشكال هندسية وزخرفة ونرسم الغزلان والطيور ونعمل نقشات متنوعة لنكسب قبول المشتري، إضافة الى من يطلب كتابة أسم العشيرة أو شيخها. متابعةً: أن الأسعار اليوم لا توازي الجهد، فبعد أن كانت السجّادة المصنوعة يدوياً تباع بأسعار ممتازة  تتراوح ما بين 100 – 500 الف دينار، أصبحت اليوم لا تُباع ولا تشترى إلا ما ندر أو أن سعرها لا يتجاوز الـ 50 الف دينار في أحسن الحالات . الحاجة نعيمة قبل أن نودعها تحسرت على تلك الأيام التي كان فيها السجّاد اليدوي بمختلف أنواعه وأحجامه محط اهتمام الجميع بما فيهم مسؤولو الدوائر المعنية بالتراث والسياحة..

المستورد مرغوب أكثـر..؟
علي السراي بائع مفروشات ذكر لـــ(المدى) انصرفت عن العمل في بيع السجاد اليدوي كون أذواق الناس اختلفت، وباتوا يفضّلون السجاد والكاربت والموكيت المستورد، لما لها من اشكال وألوان جذابة. مضيفاً: السجادة اليدوية في السابق كانت لا تضاهيها إلا المنسوجات الايرانية، لكن بعد العام 2003 والانفتاح الاقتصادي الذي شهده العراق والاستيراد العشوائي، باتت الأسواق تعجّ بكل انواع المفروشات. لافتاً: الى  التركي والايراني والهندي والايطالي والصيني والارميني وغيرها من الدول التي تشتهر بهذه الصناعة.
واستدرك السراي: السجّاد اليدوي العراقي ثقيل ويصعب تنظيفه، لذا فإن المضائف والدواوين العربية وحدها من تستخدمه كون عمره الزمني اطول بكثير من السجاد المستورد الذي سرعان ما يتلف. موضحاً: فقط السجاد اليدوي الأبيض الخالص، ومنه السويطي الذي يصل طول سجادته الى 4 امتار تقريباً ما زال مرغوباً كونه يخلو من الألوان ومنسوجه طبيعي مئة بالمئة. مضيفاً: أن حياكة البسط الركم ذات السيفين، تميزت به هذه المدينة بالإضافة الى حياكة (الازر) وهي عبارة عن اغطية صوفية تستعمل بدلاً عن البطانية لوفرة الصوف المصنوع، وأوضح أن هناك صناعات شعبية أخرى تتميز بها هذه المدينة ويحتاجها البدو الرحل مثل حياكة شعر الماعز لصناعة بيت البدو الرحّل وصناعة (الطرك) و ( العدل ) والخرج ) و هما  كيسان متلاصقان يصنعان من الصوف ويستعمله البدو بملئه بالمواد المستخدمة لديهم ويوضع على ظهور الإبل.

صناعة العباءة الرجالية تنقرض
عن حياكة العباءة الرجالية ذكر بائع الزي العربي جبار محمد لـــ(المدى): اندثرت حياكة العباءة بشكل تام بسبب اغراق السوق بعد 2003 بالمستورد التركي والسوري وبأسعار تنافسية، حيث يتراوح سعر العباءة بين (50- 100) الف دينار. مبيناً: في حين أن حياكة العباءة الواحدة تستغرق ستة اشهر من غزل وحياكة  التي تتميز بدقتها المتناهية، حيث يصل وزنها الى بضعة غرامات ويمكن أن تضعها في علبة الشوكولاته أو قدح الماء. منوهاً: أن سعرها يصل حسب هذه المواصفات الى مليونين دينار.
واستدرك محمد: لم يتبق من العاملين في هذه المهنة الا عدد قليل جداً، بسبب فترة إنجازها الطويلة نوعاً ما وارتفاع ثمنها في ظل وجود البديل.  مؤكداً:  نعمل الآن في الحياكة بالغزل المستورد من معمل حياكة النجف الذي وجد له مكاناً في السوق المحلي. مردفاً : ومع أن العقال صناعة نجفية، أضمحلت هذه الصناعة في واسط بسبب صعوبة الحصول على موادها الأولية، منوهاً: أن لكل محافظة عقالاً يميّزه عن الآخر، الشطراوي والكوتاوي والفراتي أهم أنواعه  .
الحاج محمود الربيعي كان له رأي آخر بموضوع العباءة الرجالية (الصيفية) إذ بيّن لـ(المدى) أنه مازال حريصاً على اقتناء العباءة المحلية المنصوعة يدوياً لجودتها ولجمالها. مؤكداً: أن في السابق، كان القليل من الرجال يلبسون تلك العباءة لأسباب عدة. مشدداً: في السنين الأخيرة وبسبب الاوضاع، ازاد عدد من يرتدون الزيّ العربي، بالتالي زاد الإقبال على هذه العباءة، وبما أن العاملين في الغزل والحياكة يتعذر عليهم توفير اعداد كبيرة، جاء دور المستورد الذي مهما كان متقناً لن يصل الى مستوى الصناعة المحلية.

ممنوع تصدير سروج الخيل
الصناعات الجلدية هي الأخرى واحدة من أهم الصناعات اليدوية الرائدة في محافظة واسط، كصناعة مستلزمات الخيول والسلاح وموغلة بالقدم، حيث السروج الحياوية التي تمتد لثلاثينيات القرن الماضي، محسن ياسين يعمل بهذه الصناعة تحدث لـــ(المدى) عملت منذ الصغر مع والدي حيث كنا 8 صُناع تحت إمرته كان العمل مزدهراً والسروج التي نصنعها معروفة على مستوى العراق والوطن العربي. مؤكداً: انه في الوقت الحاضر تعتبرها الدولة تراثاً ويمنع تصديرها. منوهاً: الى أن أحد الاشخاص أستطاع أن يخرج معه سرجاً الى أستراليا، وبعد مراسلتي له أكد أنه باعه بمبلغ كبير، حيث أعجب به هواة تربية وركوب الخيول كثيراً .
وأضاف ياسين: في أيام محرم والطقوس الدينية يزداد الطلب على السروج الجلدية وبعض مستلزمات ركوب الخيول كذلك أحزمة وبيوت المسدسات والبنادق الصغيرة. موضحاً: أن هذا العمل رغم انحسار مردوده المادي إلا أنني أجد فيه روحية كبيرة لما يمثله من ميزة، خصوصاً واننا الوحيدون في العراق نعمل بها ما فرض علينا التزاماً أخلاقياً بالمحافظة على هذه المهنة من اندثارها الذي عدّه خسارة كبيرة . مطالباً الجهات المعنية بالاهتمام بهذه الصناعة ودعمها للحفاظ عليها، والسماح لصناعها بالتصدير الذي يعد مكسباً وطنياً.
الصناعات الخشبية تعتبر الأفضل بين تلك الصناعات لاحتفاظها بشيء من مكانتها في السوق توازن العرض والطلب عليها رغم دخول المستورد على خط المنافسة، عماد حسن أحد العاملين بهذه المهنة تحدث لـــ(المدى) أعمل بصناعة المرواح والفدان (عبارة عن محراث خشبي يجر بواسطة الحيوانات) وصناعة (الزو) المستخدم في جز الصوف و(البلهم) وهو غطاء يوضع على أفواه صغار الحيوانات ليمنعها من الرضاعة وذلك استعداداً لفطامها كذلك صناعة السلاسل والمحراث والمسحاة والمنجل التي تستعمل في الحراثة والزراعة . مردفاً: أن تلك الصناعات على بساطتها ورخص ثمنها إلا أنها تُعد من ضروريات عمل الفلاح، موكداً: تمتاز حرفتنا بدقة العمل وفن الصنعة كما هو الحال في صناعاتنا التي تعتمد على الفن والدقة اضافة الى الجهد العضلي إلا أن دخول المكننة أثر في عملنا بشكل واضح، لكن ظل الطلب على هذه الصناعة ولكن بشكل محدود.

جمعية الحرف الشعبية لحفظ التراث
محسن رعد مهتم بالتراث تحدث لــــ(المدى) أن جميع الدول تحافظ على صناعاتها اليدوية وتبذل قصارى جهدها لديمومة استمراريتها، كونها تعتبر من التراثيات، فيما نحن هملنا الكثير من صناعاتنا اليدوية، وامتلأت أسواقنا المحلية بالبضاعة المستوردة، مضيفاً: كان من المفترض أن تؤسس جمعية لأصحاب الحرف الشعبية، بحيث يشتغلوا بها مقابل مبلغ مادي مناسب، ومن ثم تباع البضاعة في داخل العراق أو خارجه. مؤكداً: أن تراث المدينة زاخر بالشواهد التاريخية، إذ اصبح علامة لعدد من الحرف التي امتازت بالدقة في العمل ومهارة في الصنعة ومسحة من الجمال وذوق في التنسيق.
واردف رعد: أن خطر اندثار الصناعات الشعبية يهدد بانقراض هذا الفولكلور وعلى الجميع العمل من اجل  الحفاظ على هذه الحرف لأنها تمثل تراث وتاريخ المدينة . منوهاً: أن الكثير من الصناعات اندثرت وصارت منسية وأن المتبقي منها يجب الحفاظ عليه من اجل جعلها سمة تأخذ بين الحديث والماضي، وبيّن أن الصناعات الحرفية تجمع الكثير من سمات وطبائع الأقوام المتنوعة التي تعيش فيها، وهذا هو اكثر وأجمل ما يميّز المدينة ويجعلها تبرز عن قريناتها من محافظات البلاد.

استثناء تصدير الصناعات الحرفية
قبل أيام افتتح وزير الثقافة والسياحة والآثار فرياد رواندزي المركز التسويقي التابع لمديرية التراث ومعهد الحرف، في مبنى المعهد. حيث ضمّت قاعات الصناعات الشعبية، نتاجات التي ابتدعتها أنامل الحرفيين من الأسطوات والطلاب لأعمال متنوعة من الصوف والسجاد, والنقش على الخشب, ولوحات خط وزخرفة, والهاشميات ورسم زيت على قماش، رواندزي عدَّ افتتاح قاعات للصناعات التراثية في معهد الحرف والفنون الشعبية، خطوة لافتتاح السوق الدائم من اجل تهيئة سوق اكبر للحفاظ على التراث العراقي, والمصنوعة بأنامل عراقية، والذي سيسهم في رفد السوق وسيكون له دور مهم في الحفاظ على التراث العراقي, داعياً الوزراء إلى اقتناء المنتجات التراثية كهدايا برتوكولية.
لكن هل يكفي ذلك لأجل الحفاظ على هذه الموروثات الشعبية والصناعات اليدوية بالغة الدقة والجمال، وجهنا هذا السؤال لمختص بالحرف والصناعات الشعبية الباحث وليد الخزرجي والذي بيّن لـ(المدى) الأمر هنا بأكثر من شق، فالأيدي الماهرة التي تعمل بهذه الصناعات تحتاج الى المال، إن كان للمعيشة وتوفير مستلزمات العائلة، أو لغرض التطوير وشراء المواد الأولية لأيّ صناعة شعبية ومهنة حرفية. منوهاً: الى أن الأمر يشمل ايضاً توفير اماكن العمل لتلك المهن التي تحتاج بعضها الى اماكن واسعة، ما أعني شراء أو تأجير مساحة من الأرض كأن تكون بيتاً أو مخزناً. مشدداً: على ضرورة ايجاد اسواق خاصة في كل محافظة تهتم بالصناعات الحرفية التراثية تكون مدعومة من الدولة ومفتوحة أمام الجميع. واسترسل الخزرجي: الأمر الآخر المشاركة في المعارض الدولية والإقليمية الخاصة بالسياحة والصناعات الشعبية التي تعد وسيلة ترويج مهمة للصناعات العراقية، التي تقف في مقدمة اهتمامات الكثير من المعنيين والمختصين العرب والأجانب. مؤكداً: اهمية العمل على استثناء تصدير هذ الصناعات من قرارات الحاكم المدني بريمر، مشدداً: لو استمر الأمر على ما هو عليه الآن في السنين المقبلة، لن نجد أحداً يعمل بهذه المهن والحرف المهمة التي تُعد من سمات الحضارة والموروث العراقي التي تحتاج اليوم لكل الجهود للمحافظة عليه وصيانته وديمومته التأريخية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram