لم تستطع الأفلام التي تناولت حرب أمريكا في العراق حتى الآن، أن تحقق حضوراً لافتاً، وإن كان بعضها قد اعتلى منصات الفوز لعدد من المهرجانات السينمائية المهم، كما حصل مع فلم المخرج الكبير بريان دي بالما (ريداكتد) في مهرجان فينيسيا السينمائي بحصوله على الأسد الفضي فيه.وللسينما الأمريكية تاريخ حافل بألم الحرب، فقد أسهمت قلعة الصناعة السينمائية هوليوود في انتاج الكثير منها خلال وبعد الحرب الكونية الثانية لرفع معنويات جنودها، وأيضاً خلال التورط الأمريكي في فيتنام.
وربما كان التطور الكبير لوسائل الاتصال الذي بلغ ذروته مع دخول اميركا هذه الحرب خاصة مع التغطية التلفزيونية المباشرة لتفاصيلها، الاثر الكبير في اضعاف رغبة الجمهور في البحث عن تفاصيل أخرى لها، وإن كانت مسؤولية السينما والفن بشكل عام في طرح الاسئلة الصعبة.لكن يبقى هذا الأمر افتراضاً ليس إلا، خاصة مع تعدد واختلاف وجهات النظر حول أحد هذه الأفلام وأهمها، ونعني به هنا فيلم دي بالما (ريداكتد) أو المنقح الذي يستمد عنوانه من وصف ما يحدث من تنقيح وتعديل ورقابة للتقارير الإخبارية الواردة من مناطق الحرب المشتعلة، ويركز على موضوعة جريمة اغتصاب عراقية من قبل الجنود الأمريكان.
نقول إن موضوعة فيلم بالما تدحض وجهة النظر التي تعزو فشل هذه الأفلام الى استيفاء التغطيات الإعلامية لكل تفاصيل الحرب.
وهناك وجهة نظر أخرى حظيت بإجماع صنّاع السينما والدارسين، وترى أن هذه الأفلام تهدف الى معارضة حرب ما زالت مستمرة ولا تحظى بالشعبية المطلوبة في اجواء انقسام المجتمع الامريكي حولها ومبرراتها (وكان ينبغي الانتظار حتى تنتهي) تماماً مع تجربة السينما في اثناء التورط الامريكي في فيتنام.
وإذا كانت أفلام الحرب في فيتنام قد تخللتها أفلام أخذت جانب دعم امريكا في حربها مثل فيلم (كوماندوس في فيتنام) لمارشال طومبسون الذي صور الوجود الامريكي في فيتنام كمساعد لشعبها ضد الدكتاتورية الحمراء.. وكذلك فيلم جون وين (القبعات الخضر) الذي جوبه بالاستهجان اينما عرض، فإن حرب العراق- وربما كان هذا ما يميزها- قد قوبلت بإدانة جماعية من معظم أفلام هوليوود.
ففيلم ريداكتد أو المنقح الذي استخدم فيه دي بالما أسلوباً وثائقياً في سرد القصة الحقيقية لاغتصاب الفتاة العراقية عام 2006، يدور أيضاً حول أحداث حصلت خلال الحرب لم تنل الاهتمام من التغطيات الإخبارية التي بدورها تتعرض للتنقيح، في حين يذهب بول هاغيس في فيلمه (وادي اله) لاستيعاب عواقب الحرب والتعرض للهوة التي تفصل بين الجنود الامريكيين في العراق وأسرهم.والعنوان مستل من الكتاب المقدس فـ(وادي اله) هو مكان الواقعة التي واجه فيها النبي داود جالوت وقتله برمية حجر، أما المخرج جيك غالنهال في فيلمه (انتهاك) السجون السرية خارج الولايات المتحدة الامريكية.في هذا الفيلم استعان هاغيس بعدد من الممثلين العراقيين منهم الممثل فلاح ابراهيم الذي لعب دور البطولة.السينما البريطانية ومن خلال فيلم (معركة حديثة) للمخرج نيك برومفيلد تدخل المواجهة من خلال تناول الاحداث الدموية التي وقعت في مدينة حديثة نهاية عام 2005 والتي ذهبت ضحيتها 24 مدنياً على يد الجنود الامريكان.
وكما حدث في فيتنام كانت الأفلام الوثائقية هي السباقة التي تتناول تفاصيل حرب العراق، ويكفي أن نشير الى أن جوائز الأوسكار الأخيرة شهدت تنافس 15 فيلماً وثائقياً عن العراق وافغانستان، فضلاً عن الأفلام الروائية الأخرى.
وعلى عكس ما هو شائع من استنفاذ التغطيات الإخبارية كل اخبار الحرب، فإن لصناع هذه الأفلام رأياً آخر يقول انهم يقومون بما فشلت فيه وسائل الإعلام في نقل الحقيقة حيث يلخص دي بالما الأمر فيقول (إن السلطة الرابعة خذلتنا بصورة مروعة).