تُعْرَضُ اللوحات الفنية عادة في المعارض، كي يحضر بعض الناس لرؤيتها والتمتع بمعالجتها الفنية وتقنياتها وأجوائها، وطريقة رسمها بشكل عام. يتجول هؤلاء بينها، ويعيدون التطلع والمشاهدة لبعض الوقت، ثم (ربما) يقررون اقتناء واحدة هنا وأخرى هناك، حسب الثمن الذي يناسبهم وكذلك وفق بعض المقاييس التي تتلائم مع المكان الذي يقررونه لها. هذا ما يحدث كل يوم، بل كل ساعة في الغاليرهات التي تحتضن المعارض وتعرض اللوحات، بكل مدينة في هذا العالم. لكن ماذا يفعل الأشخاص المحبين للفن والمتطلعين الى الجمال، إن لم تكن معهم مبالغ كافية لدفعها ثمناً للأعمال الفنية، وهم تواقون بذات الوقت لتعليقها في بيوتهم كي تُضفي على المكان بعض الجمال أو تمنحه نوعاً من الطمأنينة والهدوء، أو تثير بعض الخيال والمتعة في اجواء البيت؟ إلى ماذا يلجأ هؤلاء الأشخاص وهم لا يستطيعون تسديد ثمن او أثمان الاعمال الفنية التي تكون غالية في الغالب؟ هل يستدينون مبلغاً من المال من أحد المصارف لتجميل بيوتهم؟ أم يحاولوا إستمالة الغاليري لمراعاة وضعهم، أم يدخرون المال فترة من الزمن بانتظار تعليق لوحة فنية على الحائط المقابل لأريكة جلوسهم كل مساء؟
وبدلاً من الإجابة عن هذه التساؤلات وإيجاد الحلول لها، لجأت بعض الغاليرهات والمراكز التي تعرض الاعمال الفنية على تأسيس أماكن خاصة لتأجير هذه الأعمال، وبأسعار مدهشة ومختلفة. وما على هذه الغاليرهات لتحقيق هذا الهدف، سوى أن تطلب من الفنانين -الراغبين في ذلك- أن يعيروا أعمالهم -الزائدة أو المتكدسة في المرسم- لبعض الوقت مقابل بعض المال، لمنح الناس فرصة مشاهدتها من جديد، وامكانية استئجارها.
هكذا انتشرت منذ سنوات طويلة اماكن تأجير اللوحات في أوروبا. وفِي هولندا على سبيل المثال، هناك قاعة عرض لتأجير الأعمال الفنية في كل مدينة وقرية، وفِي بعض المدن الكبيرة مثل امستردام توجد العشرات من هذه القاعات أو الغاليرهات التي تؤجر الفن لمن يرغب بذلك وفق شروط واضحة وسهلة وفِي متناول اليد، كل وقت. فما عليك سوى أن تذهب الى هذه الأماكن وتتفحص اللوحات أو المنحوتات وقطع السيراميك لتختار ما يناسب مزاجك الآن، وفِي بعض الأحيان يذهب الأشخاص لتأجير مجموعة من اللوحات لأنها تناسب الضيوف الذي سيحلّون عليهم، أو تتلائم مع أجواء الحفلة التي سيحضرها مجموعة معينة من الأصدقاء. لا يتطلب منك ذلك سوى الدخول الى هذه القاعة الأنيقة، وستستقبلك عادة، امرأة جميلة تدير المكان، وتقودك بابتسامة الى ماتريد، او تمنحك بعض المعلومات والتفاصيل وتدعك تتجول في المكان لتختار ما هو مناسب. تشير لك هنا وهناك وتضع أمامك قائمة بالمعروضات، مصحوبة بثمن الأجرة لمدة شهر، وهذا يتعلق بنوعية العمل الفني وحجمه وقيمته الشرائية. كل هذا طبعاً وفق شروط مكتوبة ومتفق عليها، وفِي مقدمتها المحافظة على العمل بشكل جيد من أي ضرر أو تلف وما شابه ذلك.
وفِي حالات كثيرة يجدد الناس استئجار ذات الأعمال الفنية أو يمددون وقتها مرات عدة، لأنهم قد بدأوا بالتعود عليها، وبدت لهم منسجمة مع المكان أكثر. ومع مرور الوقت تصبح وكأنها جزء من مقتنياتهم التي تآلفوا معها وأحبوها، لهذا يبدأون بإدخار بعض المال خلال فترة استئجارها ليقوموا في النهاية بشرائها، لتبقى معهم ولهم طوال حياتهم. هكذا يفكرون بطرق مختلفة لإيجاد حلول دائمة للتمتع بالأعمال الفنية وعرضها في بيوتهم. وحسب الإحصائيات التاريخية في هولندا، فخلال القرون الأربعة الماضية لا يخلو بيت من البيوت من لوحة واحدة على الأقل معروضة على أحد الجدران، واحياناً تحتوي بعض البيوت على عشرات الأعمال الفنية التي حولتها الى مايشبه المتاحف.
لوحات للإيجار
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...