في كل سنة، وفي مثل الأيام هذه تحتفل "المدى" بعيد تأسيسها. (المدى) الصحيفة، و(المدى) الأمل، و(المدى) (المدى). ولا أجدني أكتب تقريظاً هنا، أو أتقرب لأحد هنا وهناك، ابتغاء أمر ما، إذ أن مطبوعاً حضارياً ومدنياً كهذا لن يكون بحاجة لشهادة كاتب فيه، أو منحا
في كل سنة، وفي مثل الأيام هذه تحتفل "المدى" بعيد تأسيسها. (المدى) الصحيفة، و(المدى) الأمل، و(المدى) (المدى). ولا أجدني أكتب تقريظاً هنا، أو أتقرب لأحد هنا وهناك، ابتغاء أمر ما، إذ أن مطبوعاً حضارياً ومدنياً كهذا لن يكون بحاجة لشهادة كاتب فيه، أو منحازٍ بحكم ولاءٍ حزبي قديم إليه، أو متأثرٍ بكينونةٍ سابقة، أبداً. كما ليس في الأمر نستولوجيا ما، إنما اكتب كلمتي هذه لأنني أجدُ فضاء (المدى) واسعاً على الرغم من ضيقه عند الآخرين، متاحاً، وإن كان خلف الأكمة ما خلفها، أكتب محتفلاً بالضوء وتغمرني سعادة بالغة بما أكتب، سعادة مفادها أن مشروع (المدى) في الفكر والثقافة والفنون هو مشروعي الشخصي، مشروع الملايين من العراقيين والعرب المتطلعين الى النور والحرية.
يخطئُ من يعتقد بأن حدود الحرية الصحفية في جريدة (المدى) رهن الحدود السياسية التي تتيحها رئاسة التحرير، وسيكون ظالماً لنفسه وللآخرين من يعتقد بأن الوقوف مع (المدى) ومناصرتها فعل من أفعال الولاءات الشخصية، ومعيب أيضاً الاعتقاد السائد عند البعض بأن (المدى) مشروع شخصي، أو انتفاع مادي قبل أي شيء. أبداً، ما نلمسه وما يكتب على صفحاتها يشير الى غير ذلك، ومعلوم بأن أي حديث عن منفعة مالية في الصحافة حديث غير دقيق في العراق بخاصة. من يملك الوفرة من المال يمكنه الاستثمار في مشاريع كثيرة، خارج الصحافة، مشاريع ستدر عليه الملايين، وسيكون في مأمن عن مناكدات السياسة والسياسيين، بكل تأكيد.
(المدى) ومنذ عددها الأول، الذي صدر في بغداد قبل عقد ونيف، كانت تحمل مشروعاً حضارياً وتنويرياً ثقافياً بالدرجة الأولى، ولأنها تأسست بكادر كبير، يعد الأول فكراً وثقافة وتنويراً في الصحافة العراقية، فقد حملت بذرة ديمومتها باكراً، وترسخت آمادها بواقعية ومهنية وحرفية قلما نجدها في مؤسسات إعلامية أخرى. لو كانت (المدى) مشروعاً سياسياً، حزبياً، أيديولوجياً لانتهت الى ما انتهت اليه عشرات المشاريع الصحفية، ولو كانت مشروعاً تجارياً لأغلقت أبوابها منذ زمان، لكنها كانت مشروعاً وطنياً حقيقياً، فقد حملت راية التجديد والمدنية والتحضر والثقافة وسط عالم كل ما فيه متخلف وتراجعي وقبلي وطائفي.
أمنيات من القلب نكتبها للمدى في يوم عيدها، داعين المنصفين في بلادنا الوقوف مع اجمل مشروع ثقافي عراقي، إذ نقولها صادقة بأن الحديث، أي حديث في الثقافة والفنون والمدنية والمستقبل خارج مشروع (المدى) سيكون ناقصاً. ما قامت به (المدى) عبر حضورها البهي صباح كل يوم عراقي وعبر ملاحقها وتوابع اصداراتها وأقلام جمهرة كتّابها هو ذاك الذي عجزت عن القيام به مؤسسات الدولة الإعلامية مجتمعة.
طالب عبدالعزيز