TOP

جريدة المدى > عام > فوز عراقيين بجوائز عالمية.. بين الحقيقة والادّعاء

فوز عراقيين بجوائز عالمية.. بين الحقيقة والادّعاء

نشر في: 7 أغسطس, 2017: 12:01 ص

مع كل اعتزازنا بالشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، ضحك البعض بخجل وبدون ضجيج، حين أعلن اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين عن ترشيحه لجائزة نوبل، ولكنّ الكثيرين ضحكوا بقوة وكاد بعضهم يبكي حين أُعلن عن ترشيح كاتبة متواضعة للجائزة، وكأن لجنة الجائزة قد وع

مع كل اعتزازنا بالشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، ضحك البعض بخجل وبدون ضجيج، حين أعلن اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين عن ترشيحه لجائزة نوبل، ولكنّ الكثيرين ضحكوا بقوة وكاد بعضهم يبكي حين أُعلن عن ترشيح كاتبة متواضعة للجائزة، وكأن لجنة الجائزة قد وعدت العراقيين سرّاً بمنحها هذا العام لعراقي. على أية حال، هذا الهوس الجديد بالترشيحات لجائزة نوبل يحيلنا إلى ظاهرة في وسطنا الثقافي والأدبي قد تكون على علاقة به، هي ليست جديدة، لكنها برزت بشكل ملفت في السنوات القليلة الأخيرة، الأمر الذي دعاني إلى الكتابة عنها، وتتمثل في توالي الأخبار عن حصول عراقيين في بلدان أجنبية على جوائز كبيرة وأحياناً عالمية، وحين نبحث عنها ونتقصى حقيقتها نكتشف، كما هو متوقّع بالطبع، أنها عادةً ما تُنقل لنا، من الحاصلين عليها، على غير حقيقتها.

هنا أتذكر قبل سنتين تقريباً قرأت على غلاف إحدى الروايات القصيرة العراقية أنها حاصلة على جائزة (...) الأمريكية، وحين تقصّينا أمر الجائزة وجدنا غير ما توحي به وهي على غلاف الرواية، كما سنأتي إلى ذلك بعد قليل. المهم أننا صرنا مؤخراً نسمع كل يوم بفوز أحدهم بجائزة غالباً ما يصفها بالمهمة أو الكبيرة، وقد يقول العالمية، هكذا بكل سهولة. أديبة تُكرّم في مجاهل أفريقيا وفي الصحراء الغربية وفي أقصى أقاصي الهند وفي مناطق لم يرها أكثرنا إلا على الخريطة، ولا تكتفي بهذا بل تنقل لنا كل بضعة أشهر فوزها بجائزة، وغالباً ما توصف بالعالمية، أو نيلها تكريماً من جهة معينة، وفي كلا الحالين لا نعرف شيئاً لا عن الجائزة ولا الجهة المكرِّمة، كما لا نعرف أحداً ممن تذكر الكاتبة أسماءهم بوصفهم قائمين عليهما. آخر يفوز بجائزة في إحدى الدول الإسكندنافية يصفها بالكبيرة لنكتشف، حين نتقصّى، أنها تُمنح لكاتب من لاجئي الشرق الأوسط، وبما يعني أن الفائز بها هو كذلك الطالب الذي يحقق نتيجة الأول على صف ليس فيه إلا طالب أو طالبان. ثالث يدّعي الفوز بجوائز يُظهرها وكأنها من الجوائز العالمية، ولا يدري أن العالم صار صغيراً جداً، وإذا كان من الممكن قبل عقدين أو ثلاثة عقود أن يدّعي من يدعي من العرب، عراقيين وغير عراقيين، تحقيق الإنجازات في بلد بعيد، أوروبي وغير أوروبي، فإن هذا ما عاد ممكناً بعد أن صرنا نعرف حقيقة مثل هذا ربما في لحظة (تحقيقه) أو الادعاء بتحقيقه. كما اعتدنا في السنوات الأخيرة أن نستلم من روائي آخر مقيم في أوروبا أيضاً كل عام فوزه بجائزة كبيرة، وحين نبحث عنها نجدها جائزة محلية ومحدودة بمدينة أو منطقة أو مجال أو فئة مجتمعية. وقد اعتدتُ أن أتلقى منه، مع من يتلقون، خبر كل فوز، فأُهنئه. ولكني قررت أخيراً الكتابة له ومصارحته بخطأ ما يفعل، وكل ذلك بالطبع بيني وبينه، وأنقل هنا الجزء المهم من رسالتي له، مع رفع الأسماء التي ترد فيها:
((بفرح تلقينا، عزيزي (ع)، فوزك بجائزة (...)، ولكن الذي أرجوه أن يتم التعريف بالجائزة بشكل صحيح. فقد شاع بين المغتربين العرب عموماً والعراقيين منهم خصوصاً أنْ لا يعرّفوا بالجوائز التي ينالونها في أوروبا وأمريكا بشكل صحيح، كما فعل مثلاً الروائي (م) حين عرّف روايته (...)، وعلى غلافها، بأنها حاصلة على جائزة (...) الأمريكية، وحين تقصّينا عن الجائزة وجدناها ممولة من أحد الملوك العرب ومخصصة لأفضل ترجمة من العربية إلى الإنكليزية وعليه فهي لم تُمنح للرواية ذاتها بل لترجمتها. الأمر ينطبق، إلى حد كبير، على نيلك لجائزة (...) السابقة حين عرفتَها لنا بأنها (واحدة من أهم جوائز الأدب الألمانية) وهو كلام بصراحة غير دقيق. هي جائزة نفتخر بأن ينالها عراقي بالطبع، ولكن بين قولنا هذا وقولك فرق، ولا أريد أن أدخل بالتعريف بها الذي تعرفه أنت بالطبع بشكل تفصيلي هنا. وهناك الكثير من الجوائز في العالم التي نسمع بنيل عراقيين وعرب مغتربين لها وهي لا تدخل ضمن الجوائز الكبرى أو الشاملة، بل نجدها إما خاصة بفئة معينة محدودة، أو بمدينة معينة، أو بموضوع معين- هجرة أو تطرف وإرهاب مثلاً- أو بشركة تجارية لغرض محدد، لكن الذين ينالونها يقدمونها على أنها جوائز عالمية أو كبيرة. واليوم حين تفوز عزيزي بجائزة (...)، فإننا نفخر بك بالتأكيد، وأنت، لكي تفخر بالجائزة ونفخر نحن بحصولك عليها، لا تحتاج إلى أن تقدمها بغير حقيقتها. فأنت حين تقول (تعتبر هذه أهم جائزة أدبية في ألمانيا تُمنح لأدباء ألمان ممن يعيشون بين ثقاقات ولغات مختلفة)، فإن كلامك يأتي غير دقيق، بل محوّراً بقصدية واضحة لم تكن بحاجة لها، إذ أن تعريفك لها يعني أنها تشمل جميع الألمان الذين يعيشون بين ثقافات مختلفة سواءٌ أكانوا من أصول ألمانية أم غير ألمانية، وهذا غير صحيح. فمرة أخرى نفخر بنيلك لها، كما هي على حقيقتها التي تقول: إن جائزة (...) المقدَّمة من قبل مؤسسة (...) تُمنح سنوياً للكُتب المؤلَّفة باللغة الألمانية من قبل كتَّاب ذوي جذور غير ألمانية، وبما يعني أنك لم تنافس الألمان فيها، بل الألمان من ذوي الأصول غير الألمانية، وبين هذا وذاك فرق كبير وكبير جداً. أرجوك عزيزي المبدع (ع) أن تتقبل صراحتي هذه، علماً بأنني سبق أن نشرت عن هذه الظاهرة بدون تسمية الفائزين بالجوائز، وهو ما سأكرره اليوم، ومرة أخرى دون ذكر الأسماء. فأمانتي العلمية والنقدية، كوني أحد أكثر المعنيين بالرواية العراقية بشكل خاص، والعربية بشكل عام، تحتّم عليّ ذلك. أكرر فخرنا بنيلك للجائزة، مع خالص محبتي. انتهت الرسالة.
هنا نتساءل: أليست ظاهرة غريبة، وتدعو من اول وهلة إلى التوقف عندها، أن جميع الذين يفوزون بهذه الجوائز من المقيمين في الخارج، تماماً على طريقة جوائز إبراهيم الكوني، التي اعتدنا سماع فوزهه بها منه وهو في سويسرا، والتي ما عادت من قائمة تستوعبها، وغالبيتها العظمى لا نعرف عنها شيئاً ولم نسمع بها؟. هو كلام غير موجه لاتهام كُتّاب الخارج، بل أقوله لأنه حقيقة، والغريب هنا أن تعليل ذلك ربما هو أن هؤلاء الكتّاب يتصرفون في هذا كما لو أننا لا نزال في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي، أو في عراق الحصار، حيث الانقطاع عن العالم، ولم يعرفوا أن العالم، ونحن عدنا لنكون جزءاً منه، ما عاد حتى قرية صغيرة كما يُقال، بل مستطيل صغير هو شاشة الكومبيوتر ونافذة الإنترنت عليها.ونعود لنؤكد اعتزازنا بفوز أي عراقي بأيّ جائزة، يجب أن نعرف هوية الجائزة، وأن لا نبالغ في ذلك، فنجعل من الجوائز المحلية، وما أكثرها في أي بلد في العالم، جوائز كبيرة وعالمية. ولكي لا يُفهم كلامي خطأً، أقول من حق أي مبدع يفوز بأيّ جائزة أن يفتخر بها، ولكن على أن لا يدّعي بهوية للجائزة غير هويتها، وبمكانة غير المكانة التي تحتلها، وأن يكون الفخر بحجمها، ولو كنت أنا شخصياً قد فزت بإحدى هذه الجوائز المحلية لفرحت واعتززت بها، ولكن يجب أن لا أبالغ في هذا ويجب أن أقدّمها للقرّاء والناس على حقيقتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

نص ونقد.. العبور والانغلاق: قراءة في قصيدة للشاعر زعيم نصّار

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

مقالات ذات صلة

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات
عام

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

حاوره علاء المفرجي الشاعر والرسام العراقي، يحيى البطاط خريج جامعة البصرة تخصص رياضيات، حائز على جائزة الصحافة العربية عام 2010، يقيم منذ العام 1995 في الإمارات العربية المتحدة، وأحد مؤسسي مجلة دبي الثقافية، ومدير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram