المسرح البورجوازي ظاهرة ثقافية برزت خلال قيام البورجوازية الأوربية في القرن الثامن عشر، وعلى وفق اللغة الماركسية تدل (البورجوازية) على المالكين الشرعيين وعلى المدراء والمتحكمين في الدولة من التجار والصناعيين والرأسماليين والذين يحلون محل الارستقراطيين كطبقة في التحكم بوسائل الانتاج، على اية حال فإن المسرح البورجوازي استمر في جذب اعداد كثيرة من المجموعات الاجتماعية وخصوصاً الطبقة المتوسطة بأنواعها، سواء كانوا حرفيين أم كهنوتيين أم تقنيين أم خدميين. ومن خلال تأكيده على الحرية والديموقراطية يتحدى المسرح البورجوازي تدميرياً النظام المطلق للارستقراطية. وبالضد من الكلاسيكية الجديدة الفرنسية لكورنيه وراسين وتأكيدهما على الحبكة والوحدات الثلاث والمواقف التراجيدية وقضايا الشخصيات الملكية، فتؤكد الدراما البورجوازية التشخيص وخصوصاً (البروتاغونست) اللا ارستقراطيين وكشف ما هو فاضل من السلوك المدني ومعالجة قضايا خاصة بطريقة تجلب التعاطف وإثارة العواطف والتحرك باتجاه الايهامية الواقعية وبواسطة استخدام النثر بدلاً من الشعر في عام 1737 دعا (ديدرو) وهو الناطق بأسم الدراما الجديدة، إلى ايجاد جنس درامي يحتضن الكوميديا الجادة وشمول خصال وواجبات الإنسان والتراجيديا البورجوازية التي تعاملت مع المصائب العائلية. وكانت من مصادر الهاماته مسرحية (تاجر لندن) لليلو عام 1731 وبحكايتها عن رجل أعمال شاب يسرق من أجل الحصول على صداقة مومس ويحكم عليه أخيراً بالإعدام . بارتباطه مع ما يحرك العواطف يتقبل المسرح البورجوازي التعبير عن الذات والحساسية كمصدر للحقيقة، ويكشف ترويجه للتعاطف ما هو مشترك لدى البشرية بغض النظر عن المرتبة وتتكشف طرق تعزيز الاشباع العاطفي للشخصية لدى المشاهد، حيث يتم ابعاد المتفرجين من الطبقة العليا عن المسرح وتقوية ابهامات وجود الجدار الرابع وإطفاء أضواء العالم والتركيز على المسرح المغلق واضاءته الموجهة على الممثلين وجميع الطرق التي تدعو الى التحول من التمسرح الى العرض الواقعي – كما اعتمده (غاريث) مبكراً يمكن تفسيره كونه تراجعاً من عالم المجموعة إلى عالم خاص كما لو كان تدويناً لشفرات البورجوازية ومجاملتها. وهناك كشف آخر لتلك الشفرات وجدت في دور المسارح في القرن التاسع عشر وفي حالة جلوس المتفرجين بالذات في مقاعد المقدمة وكذلك الديكور الباذخ يؤكد هدوء وانضباطية المتفرجين، خلال القرن التاسع عشر أصبح المسح البورجوازي تدريجياً قوة محافظة وحيثما جذبت (الميلودراما) عدداً كبيراً من جمهور البروليتاريا تم التحكم بجمهور المسرح من قبل ملتزمي المسرح البورجوازي . حدد الكثير من الطليعيين المرتبطين سياسياً في القرن العشرين، عملهم بالضد من المسرح البورجوازي حيث رفض الرمزيون والتعبيريون التضمينات الموضوعية للواقعية لصالح التلخيصات الذاتية، فمسرح القسوة ثار ضد الجسد المنضبط للممثل والمتفرج المتمدن، وعارضت تشكيلات الجناح اليساري، مثل المسرح التحريضي، البنى المكيّفة سلعياً والكهنوتية للمؤسسات التجارية. وعلى أية حال، فإن القليل من تلك المشاريع نأت بنفسها عن تأثيرات المسرح البورجوازي بقواه الرأسمالية. وكان اخراج مسرح بريخت وبيسكاتور الملحمي المضاد للمسرح البورجوازي حالة من تلك الحالات، حيث أن المسرح الغربي قد اتصف بالانتقائية من ناحيتي الشكل والمحتوى، فإن عنوان المسرح البورجوازي يشير أكثر إلى الأحداث المسرحية التي تهيمن عليها اساليب الرأسمالية والعلاقة بالانتاج وليس بنوع معين من انواع الدراما وعروضها، ومن الناحية الوصفية التي تدل على المؤسسات الثقافية المملوكة للبورجوازيين أو التي يتحكم بها البورجوازيون وأولئك الذين يتبنون شفراتها وقيمها فإن (المسرح البورجوازي) مصطلح يمكن أن يسري على اغلبية الأحداث المسرحية في المجتمعات الرأسمالية هذه الأيام.
ما المقصود بالمسرح البورجوازي ؟
[post-views]
نشر في: 7 أغسطس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...