في الجزء الثاني من يوميات سوزان سونتاغ التي تغطي فترة من 1964 - 1980، والتي ترجمها عباس المفرجي عن دار المدى وردت إشارات كثيرة عن السينما.
كتبت سونتاغ عن فيلم "تحيا حياتها" – فيلمه الميلودرامي، في العام 1962، حول نانا (أدّت دورها زوجة غودار النحيفة، آنا كارينا )، فتاة عاملة في محل وممثلة طموح تهجر زوجها، وإذ تعجز عن الاقتصاد في الإنفاق، تتحول الى الدعارة – كما لو كان نظاماً مغلقاً. عاملت غودار كأستاذ شكلاني، مثل إبن لروبير بريسون أو إبن عم لميكيل آنجلو انطونيوني والان رينييه، وصفت سونتاغ غودار بناقد سابق ممارس لكنه لم يكلف نفسه الحديث عن أفكاره النقدية، عن السينما التي أحَّب، أو عن الكيفية التي كانت بها أفلامه ملهَمة بهذه السينما – الى درجة كبيرة، سينما هوليوود.
تحصر سونتاغ أكثر الافلام الهوليوودية الكلاسيكية في خانة تحت إسم " معسكر " ( في "ملاحظات عن
معسكر" في يومياتها)، تماماً مثلما حصرت بولين كيل، وتقريباً في الوقت ذاته، نفس الأفلام بتسميتها
" سقط المتاع " . باختلاقها غوداراً أرضى تصوّرها عن الحداثي الاوربي الرفيع، أسقطت سونتاغ من الاعتبار وجهات نظره النقدية، عن " نظرية المؤلف"، التي ميّزت بعض الجوانب الفنية في أعمال المخرجين التجاريين، التي أنجِزت في غفلة عن الاستوديوهات المنتجة، واعتبرتها صنواً لعمل أي فنان، في أي شكل من أشكال الفن. كما تجاهلت سونتاغ على نحو مقصود ولع الموجة الجديدة بسينما الفرد هتشكوك وهوارد هاوكس، نيكولاس راي وأوتو بريمنغر، سامويل فوللر وستانلي دونين، بالإضافة الى اعجاب المخرجين الفرنسيين الشباب بالشخصيات غير المألوفة لهؤلاء الفنانين الهوليووديين.
في يومياتها، تعدّ سونتاغ قوائم غزيرة عن الأفلام التي شاهدتها، وكانت لها عادة مؤثرة (رغم أنها لم تكن غريبة عن عشاق السينما في ذلك الوقت). شاهدت هي الكثير من الأفلام من كل نوع – على سبيل المثال، كتبت قائمة بواحد وعشرين فيلماً شاهدتها بين 17 أيلول و12 تشرين الثاني، 1965، بما فيها أفلام جديدة مثل " الجندي الصغير " لغودار، " باني ليك مفقود " لبريمنغر، " النجدة! " لريتشارد لستر، ولمخرجين قدامى، مثل " القائد الأخير" لجوزيف فون سترنبرغ، "وراء شك معقول" لفريتز لانغ، "الأعماق السفلى" لجان رينوار. في الإسبوع الأول من كانون الأول 1965، شاهدت بين ثمانية الى أحد عشر فيلماً. لكن لم يكن لديها، الا نادراً، ما تكتبه حول أعمال المخرجين الامريكيين الكلاسيكيين، وأنا أشك بأن السبب سيكون موجوداً في قائمة اخرى تعدّها – ((افلام شاهدتها وأنا طفلة، عندما ظهرت لأول مرّة على الشاشة)) انها قائمة من خمسين فيلماً، من ضمنها "المواطن كين"، "الدكتاتور العظيم"، "ظل من شك"، " احلى سنوات عمرنا" ، " كازابلانكا "، " شقراء الفراولة " و" ساحر أوز". مقارباتها النقدية لأفلام هوليوود – هذا يعني، تجاهلها جوهرياً - تبيّن لنا انها لم تستطع أن ترتب تسلياتها التجارية والعامّية في عطلات نهاية الاسبوع بجانب روائع بيكاسو التكعيبية ورباعيات بيتهوفن. وهذا يفسّر يوميات أخرى مربكة حول الأفلام، من نفس السنة : (( أفلام ’’ الدرجة صفر ‘‘ مثل أفلام- بي [ أفلام بميزانية واطئة من نوعية رديئة ] – غير محكمة الشكل؛ بدلًا من ذلك، عنف الموضوع واضح)).
يتبع
سونتاغ والأفلام
[post-views]
نشر في: 9 أغسطس, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...