انتهت زوبعة الخلاف حول نظام احتساب الاصوات في الانتخابات المحلية سريعا. فقد اضطرت كتل البرلمان لاعتماد صيغة ١.٧ بدلا من ١.٩ التي تم إقرارها في وقت سابق، وهو ما لم يلبِّ رضا القوى الصغيرة الطامحة لتحسين حظوظها في مجالس المحافظات.
كان الخلاف منحصرا حول هامش ضئيل لايشكل فارقا مؤثرا بالنسبة للاحزاب التي تروم خوض الانتخابات المحلية. فلا القوى الكبيرة ستتأثر بشكل كبير، ولا القوى الصغيرة ستحقق خرقا وازناً بحسب الصيغة التي اصرت على تمريرها، لاسيما مع توجه رسمي بخفض عدد اعضاء مجالس المحافظات بشكل كبير، وهو ما يضاعف القاسم الانتخابي ويجعل تحقيقه امرا صعبا امام الجميع.
لقد انشغلت كتل البرلمان، خلال الاسبوع الماضي، بمعركة مفتعلة جوهرها يدور حول تحسين ظروف المنافسة على السلطة في الحكومات المحلية، ولم تقدم رؤية مغايرة من شأنها تجاوز تجارب الدورات الثلاثة السابقة.
فلم نسمع من القوى المناهضة للمحاصصة والفساد خطابا مختلفا عما تردده القوى المهيمنة في الحكومات المحلية. اذ تركز الجدل السياسي والبرلماني حول ظروف المنافسة فقط، ولم يتجاوزه الى ترشيد أداء المحافظات في ادارة شؤونها، او محاولة فك الاشتباك المزمن بين المحافظ ومجلس المحافظة الذي يعتبر عاملا اساسيا لكل إخفاقات الحكومات المحلية.
كنا ننتظر ان تنشغل القوى الصاعدة بطرح افكار مبتكرة لتطوير اللامركزية الادارية، وتوسيع المشاركة الشعبية في تقرير الشأن المحلي بما يقدم حلولا عملية وواقعية لتحديات التنمية والبطالة والفقر التي تعاني منها محافظات غنية بالموارد الطبيعية والبشرية. إلا اننا اكتشفنا ان القوى الصغيرة عجزت عن مغادرة التفكير بعقلية الاقلية التي تجاهد لضمان موقع في ادارة السلطة، وتعويض ما فاتها في الدورات السابقة.
واذا كان للقوى التقليدية عذر في تحصين هيمنتها على الحكومات المحلية عبر احكام غلق ثغرات قوانين الانتخابات، فان القوى التي تقدم نفسها كقوى مناهضة للقوى التقليدية غير معذورة بالوقوع في التكالب على السلطة بهذا الشكل الفاقع.
وللاسف فقد اصيبت القوى الصاعدة، ولا اقول الصغيرة، بمتلازمة القوى التي تعارضها وتناهض اداءها، وكانت تنظر للقوى المهيمنة بدلا من ان تتوجه الى الجمهور الذي يتوق لسماع خطاب مختلف ينتشلها من واقع الخدمات المتردي في مدنها وشوراعها.
وخلال المحافل الخاصة والعامة، لطالما طرحنا على القوى المدنية اهمية اجتراح رؤية خاصة بها تساعدها على اكتساح المشهد الانتخابي من دون الحاجة للتعكز على سانت ليغو وتعديلاته، او الاعتماد على بركات الكوتا وتحالفاتها الهشة.
ولكي لا يكون الحديث ضربا من الهجاء لهذا الطرف او ذاك، فاننا نعيد التأكيد على ضرورة تبني فلسفة مختلفة للانتخابات المحلية عنها في الانتخابات البرلمانية. فبينما تنظر الثانية الى اهمية الفوز باكبر عدد من مقاعد البرلمان لتشكيل الحكومة او المشاركة الفاعلة فيها، فان الاولى يجب ان تنظر الى العمل البلدي الذي هو جوهر عمل الحكومات المحلية.
وانطلاقا من ذلك، يتحتم على جميع القوى، التي تهتم بانجاح تجربة اللامركزية، السعي لإبعاد الحكومات المحلية عن الصراع والتنافس الذي يجري في بغداد، بصياغة قانون انتخابي يعزز التنافس على الشأن الخدمي والبلدي، والابتعاد عن المساومات والصفقات التي تبرمها احزاب بغداد، التي عادة ما تكون ضحيتها مصالح المحافظات. على القوى الحريصة على تعويض فشل الاعوام الماضية، تجاوز خلافاتها حول الفوز بالمقاعد، والبحث عن طريقة مبتكرة لتوزيع المناصب التنفيذية في الحكومات المحلية وفق فلسفة ورؤية مختلفة. عندها ستكون معاركنا حقيقة ومنتجة.
سانت ليغو: معركة مفتعلة
[post-views]
نشر في: 9 أغسطس, 2017: 07:10 م