يُقال إنها 62 عاماً، أي إنها انطلقت في عام 1955، إلا أن البعض يقول إن الانطلاقة الأولى لها كانت عام 1946، أو قبل ذلك، في الواقع لا تكمُن الأهمية هُنا، ذلك أن الماضي يتلاشى إن لم يكُن هنالك وجودٌ مُستقبليّ، فالسينما في العراق "كانت"، لكن من المؤ
يُقال إنها 62 عاماً، أي إنها انطلقت في عام 1955، إلا أن البعض يقول إن الانطلاقة الأولى لها كانت عام 1946، أو قبل ذلك، في الواقع لا تكمُن الأهمية هُنا، ذلك أن الماضي يتلاشى إن لم يكُن هنالك وجودٌ مُستقبليّ، فالسينما في العراق "كانت"، لكن من المؤسف أنها لم تزل، ككُل شيء لم يزل في هذا الوطن، ونحنُ نحتفي كُل عام بذكرى انطلاق أول الأفلام السينمائية العراقية، دون أن يكون لنا ما نحتفي به اليوم، تماماً كما نستذكر أرواح المبدعين، ونُكرمهم في حيواتهم، دون أن نُعنى بالإبداع اليوم...
في احتفالية صباح يوم الثلاثاء الفائت، بعيد السينما العراقية الـ62، وخلال مهرجان السينما العراقية بدورته الجديدة، كان يُخيّل لي إني كمن يقف على رُفات أجساد راحلة، لأخبرها كم هي عظيمة بعد أن رحلت! كمن يستحضر روحاً قديمة ليهمس لها أنه كان يوّد لو أهداها الكثير، في الوقت الذي تنتظر عطاءاته تلك أجساد بأرواح حيّة...
لم يختلف مهرجان هذا العام عن سابقاته بشيء، سوى بإدارته الجديدة، التي "ولنكن منصفين" يمكن أن نعترف انها تحاول بصدق تقديم شيء، ولكنها كمن يمسك إبرة صغيرة، ويرغب بحفر خندق عظيم وسط الرمل...
المهرجان الذي انطلق صباح يوم الثلاثاء الـ15 من آب 2017، قدمّه الفنان العراقي مازن محمد مصطفى في كلمة عبّر خلالها عن أهمية السينما العراقية، واهمية هذا الفن الذي سُمّي بـ "الفن السابع"، وذلك لأنه كما يقول مصطفى " يجمع كل الفنون، بين الصورة والضوء والكلمة، الأدب والرواية واللوحة التي تعرض على الشاشة "..
حضر المهرجان نُخبة من نجوم الفن العراقي، وعلى وجه الخصوص رواد السينما العراقية من الفنانين والمخرجين والمنتجين، الذين تركوا أفلاماً من خلالها يُمكن أن نقول إن "كانت هنالك سينما عراقية بسبب تلك الأفلام التي وضعت الآن على رفوف التأريخ، وارشفت سينمائياً".
ولأن دائرة السينما والمسرح، هي فرع من فروع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، فكان لتلك الوزارة حضورها في هذا المهرجان، حيث عبّر وكيل وزير الثقافة والسياحة والآثار فوزي الاتروشي خلال كلمته عن مدى الجهود التي تبذلها الوزارة، والتي ستستمر ببذلها في سبيل إقامة علاقات ثقافية خارجية لدعم السينما في العراق، وأكد الاتروشي "رغم الصعوبات والمعوقات التي يواجهها الفن العراقي، وبخاصة السينما التي تحتاج إلى اموال طائلة للنهوض بها، إلا أننا ورغم كل ذلك لا نزال مستمرين في مسيرتنا، ووجودنا هنا اليوم على هذه الخشبة دليل على استمرارنا".
بالفعل، لم يستطع أي من الحاضرين ولا أولئك الذين قدموا كلماتهم على خشبة المسرح، أن ينكروا أنهم يحتفون اليوم بشيء لم يعدّ موجوداً، حتى الجهات المسؤولة عن الثقافة في العراق، فالاتروشي أكد أن "الاحتفاء اليوم ما هو إلا وفاء لذاكرة السينما العراقية." إلا أنه لم يقُل أن هذا الاحتفاء هو بداية لانطلاق سينما جديدة، وهذا تماماً يُذكرني بمشهد سينمائي لشخص طُعن بألف سكين وفارق الحياة، ومازال الجُهلاء من المعالجين الطبيين يزودونه بصعقات تيار كهربائي عسى أن يعود له النبض من جديد.. إلا أن جسدهُ عطب ولم يعُد هذا النبض ثانية..
أما الإدارة الجديدة لقسم السينما في دائرة السينما والمسرح، فقدمت كلمتها الأولى في المهرجان الأول الذي قادته هذه الإدارة برئاسة مدير القسم المخرج فارس طعمة التميمي، والذي يجب أن نُشير بموضوعية وصدق إلى أن تأريخ هذا الرجل يسبقه، وأن صدق نواياه في أن يُنجز ما هو جديد واضح، والدليل اللمسات التي شهدها المهرجان والتي كانت واضحة جداً في أنها افضل من سابقاتها على أقل تقدير.. جاءت الكلمة التي ألقاها التميمي عن قسم السينما في دائرة السينما والمسرح، خجِلة، لا تحمل أي وعود بشيء جديد، أو امكانية توفر انجاز جديد، وبالطبع أن الادارة الجديدة لا تُلام على ذلك لأننا بحاجة إلى اعجاز من اجل النهوض بالواقع السينمائي العراقي، كُل ما أهداه التميمي لجمهوره السينمائي، والنخب الفنية في العراق التي باتت تُعلق آمالها عليه هو التمنيات قائلاً " كُلنا نعشق هذا الفن الذي يُعدّ سيد الفنون، وكُل منا يتمنى أن يشهد سينما عراقية حقيقية، وأن نكون قادرين على انجاز ما هو جديد".ذكر التميمي أيضاً أن الجديد في مهرجان هذا العام هو التكريمات التي ستُمنح، وقال "إن هذا العام قررت إدارة قسم السينما منح التكريمات لمن يستحق، لأشخاص ساهموا بفعالية واضحة في دعم، وتقديم منجز، للسينما العراقية".
وبعيداً عن الرتابة شهد الحفل تقديم فيلم وثائقي خاص بالسينما العراقية بعنوان "تاريخ السينما العراقي" سيناريو علاء المفرجي واخراج حيدر موسى دفار، تضمن الفيلم جوانب عن أولى انطلاقات السينما في العراق منذ عام 1946 حيث قدم فيلم "ابن الشرق" وكان هذا الفيلم من اشتراك عراقي - عربي، ليتلوه أيضاً فيلم "القاهرة بغداد" والذي هو أيضاً فيلم اشتراك، حتى استطاع ياس علي الناصر عام 1953 تأسيس شركة دُنيا الفن للإنتاج السينمائي وكان أول انتاج سينمائي عراقي هو فيلم "فتنة وحسن" عام 1955.
واستمرت السينما العراقية بعطاءاتها رغم ما واجهته من معوقات وصعوبات في ما يخص الحصار، وقلة الدعم المادي، إلا أن هنالك افلاماً سينمائية عراقية مهمة يُشار لها بالبنان،، تضمن الفيلم الوثائقي أيضاً كلمات من كبار الشخصيات السينمائية العراقية، أولئك الذين لا يزالون اليوم داخل العراق، أو ممن غادروه واغتربوا، حيث جاءت كلمة المخرج فيصل الياسري مهنية بهذا اليوم، إلا انها لم تتعرى عن عباءة الواقع بألمها وقال " أن التأسيس السينمائي بحاجة الى مال وهذا المال لا يعتمد من الدولة، فتطوير السينما بحاجة لرؤوس اموال خاصة".
أيضاً تضمن الفيلم الوثائقي كلمات كل من السينمائيين شيخ المنتجين ضياء البياتي، والمخرج حسين أمين، والمخرجة العراقية خيرية المنصور، التي أكدت في كلمتها "أن الشباب السينمائي اليوم قادر على العطاء، ورغم محاولاتهم الفردية إلا أنها مبادرات تُبشر بخير حين تشارك في مهرجانات دولية وتحصد الجوائز".
كما تضمن الفيلم كلمات تهنئة أيضاً من مدير التصوير محمد القزاز، ومدير التصوير ويليم دانيال، وآخرين، ليتم بعدها تكريم نجوم السينما العراقية عن أعمالهم التي قدموها على مدار سنوات طويلة منذ تأسيس السينما العراقية التي أشار لها المخرج فيصل الياسري "بأنها لم تتأسس عام 1955 ليكون اليوم المهرجان الـ62 للاحتفاء بالسينما، بل انها انطلقت قبل ذلك بكثير، منذ عام 1946، وسبق هذا العام ايجاد مخطوطات سينمائية تعود لعام 1907، إلا أن عام 1955 فقد تأسست مصلحة السينما والمسرح والتي كان رئيساً لها الراحل يوسف العاني".
وبعد العرض الذي قدمته الفرقة الوطنية للفنون الشعبية والذي يحمل عنوان "اوبريت السينما" الذي صمّمه الفنان فؤاد ذنون، بالتعاون مع هناء عبد الله وعادل لعيبي، تلا ذلك تقديم شهادات تقديرية ودروع للشخصيات السينمائية النخبوية العراقية والذين كان في مقدمتهم " المخرج فيصل الياسري، والفنان قاسم الملاك، والفنانة فاطمة الربيعي، والفنان سامي قفطان، وشذى سالم، وغازي الكناني، وهديل كامل، وجلال كامل، وعواطف نعيم، والتفات عزيز، والمنتج ضياء البياتي." وآخرون كُثر.