TOP

جريدة المدى > عام > الروائي وحيد غانم: ليس لزاماً أن تُبنى الرواية على تأصيل الخيال بوضعٍ تأريخي معين

الروائي وحيد غانم: ليس لزاماً أن تُبنى الرواية على تأصيل الخيال بوضعٍ تأريخي معين

نشر في: 21 أغسطس, 2017: 12:01 ص

وحيد غانم قاص وروائي ولد في البصرة. كان مجتهداً في الكتابة القصصية والروائية منذ الثمانينات من القرن الماضي لديه الكثير من المخطوطات السردية. أصدر روايتين هما "المراسيم القديمة" عام 2014 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في البصرة وروايته الأخيرة "الح

وحيد غانم قاص وروائي ولد في البصرة. كان مجتهداً في الكتابة القصصية والروائية منذ الثمانينات من القرن الماضي لديه الكثير من المخطوطات السردية. أصدر روايتين هما "المراسيم القديمة" عام 2014 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في البصرة وروايته الأخيرة "الحلو الهارب إلى مصيره" عن دار الجمل.

* خلافاً لروايتك الأولى "المراسيم القديمة"، التي قدمت فيها السرد بضمير المتكلم، استخدمت في روايتك الجديدة "الحلو الهارب إلى مصيره" السرد الخطي والتبئير بصيغة الراوي كلي العلم فما السبب في عودتك لاستعمال هذه التقنية القديمة وهل أن ضغط الثيمة والشخصيات هو الذي أملى عليك توظيفها؟
- لم يكن تبلور أسلوب ما تدعوه "بالراوي العليم" في أول الأمر بمنأى عن طبيعة الموضوع نفسه، ولم يكن يعنيني جدته أو قدمه بقدر قدرته على منح مساحة واسعة للروي. لم أراهن على الجانب الفني المقتصد في هذا العمل. كنت أريد النظر لرمزية القوة الباطشة كسلطة عليا في مجتمع غريق بالرموز، أنها رواية اجتماعية من منظور تحليلي، وهو منظور قد يبدو غير مناسب من وجهة نظر معينة، لكن من يستطيع أن يجزم بأن الأساليب لا تتجدد وأن الكهنة لم يستيقظوا في دواخلنا يوماً؟
تتحرك الرواية عبر خطوط زمنية مختلفة، وكان عليَّ إيجاد صيغة جامعة لكل عناصرها، وهي بهذا الخصوص تتفاعل عبر حقب مختلفة من السلوكيات النمطية: السادية والميول الشخصية والعاطفية واستغلال نقاط الضعف الإنسانية وتفجّر الغضب والأنقاض البشرية في بناء هياكل عقائدية متناحرة. ما استطيع قوله أنه لم يكن هناك ضغط ولّده العمل برواية (الحلو الهارب إلى مصيره)، بل ربما العكس، أي نتيجة سرعة انجازها خلال شهر ونصف، في كتابة ليلية متواصلة حتى الصباح. ليلة بعد أخرى. كانت كتابة محمومة كعاصفة صيفية تركت خلفها " هفوات" لم يكن من الممكن تخطيها خلال المراجعة السريعة التي تلت انجاز العمل.
الآن يمكنني تخيّل أن ما ادعوه بالهفوات، كضرورة إلغاء بعض المسارات التوضيحية،  أصبح أسلوبية معينة بنظر القارئ، وهو يأخذها على محمل الجد وتستثيره بخطها السردي الحكائي، سلباً أم إيجاباً. في النسخة الأولى كنت وضعت ثلاث حكايات منفصلة بالظاهر ضمن سياق العمل، غير أني عدت وحذفتها أو بالأحرى دمجت بعضها خلال النسخة النهائية.
لكنه شيء مثير أن تستمد أسلوبية الرواية مسارها من عدم قناعات الكاتب وهفواته الصغيرة. أتصور أنه بالوسع النظر لطريقة طرح العديد من الأعمال الأدبية وآلياتها وأسلوبيتها من هذه الزاوية، أي إنها مجموعة " هفوات"  تتطلب صانعاً مثل "باوند" كي يظهر العمل بثوب آخر. كما لا أتخيل أن سانحة إعادة استدراك للعمل ستغيّر شيئاً مهماً، فهناك لغة محددة، سلطة شعرية موحية، كتبت بها الرواية من الصعب استعادتها مجدداً.
لقد بنيت رواية (الحلو الهارب إلى مصيره) على طرح وكشف حيوات تبدو بصورة وقائعية صاخبة ضمن مسارات متقاطعة أو متنائية في أزمان مختلفة يجمعها الحاضر. أما  ولادة رواية (المراسيم القديمة) فقد كانت أصعب على نحو ما، لأنها رواية تعتمد مسحة من الوهم عبر خطاب موجز. ما الذي يحدث في المنطقة الرمادية من وعي مهشم؟ إن الراوي الذي يفترض أن يمثل مركزاً وجزءاً من العمل تحوّل إلى ما يشبه أداة قمع بشكل عميق لأي تطور حكائي، لذلك فإن المراسيم القديمة اقرب لتأمل وضع جحيمي داخلي من الاهتمام بسرده وتفصيله وتحليله، فالروايتان لا تنتميان إلى منطقة أسلوبية واحدة.   
* لاحظتُ أن الاسترجاعات (الفلاش باك) حضرت في أذهان الشخصيات بشكل امتزج مع السرد الموضوعي للرواية ولم تميّزها بخط غامق أو مائل كما هو متداول في الخطاب الروائي فهل جاء هذا الإجراء كنوع من الاشتراط السردي الذي قد يربك القارئ أم أن ثمة سرّاً خفياً في هذا الامتزاج؟
- الاشتراطات كامنة مهما حاولنا التملص منها، وهي أقسى مما نتخيّل ومن الصعب تذليلها. اكتشفت عند كتابة تلك اللحظات الحميمة والمعذِبة التي تلم بالشخصيات مثل مهنّا وكواكب وعباس على سبيل المثال إنها لا تنبع من ماضٍ محدد وواضح الملامح لكل منهم، فهي تجتاح حاضرهم كالأمواج وتمتزج به، تسحبه، تغرقه في الظلام، وأحياناً تستبدله، وقد كانت هناك لحظة جمعتهم في إشعاعها، تتمثل بعلاقتهم باليساري المتهتك الغائب "صبري العيّاش" بعمقٍ متدرج لكل منهم، بهذا القدر أو ذاك، بمدى قرب الشخصية أو بعدها من مركز الإشعاع، وهي لحظات تبدو غير مفهومة، برغم اتصافها بمنحى تفصيلي يبدو واقعياً. ما أردت تأكيده أن الزمن الذي جمعهم، أو حتى منحاه الآخر المتخيّل لوقائع بعيدة عنهم، لم ينته بتبدده وضياعه فهو ما زال مستمراً في دواخلهم كالسراب، كفكرة الجحيم في الأساطير. نهر سفلي، أو ضوء في نهار قديم، أي شيء غير محدد وكلّي، لذلك لم أجد جدوى من تحديده بحرف طباعي.
* بالنظر إلى الفترة التاريخية التي وقعت فيها أحداث الرواية، وهي فترة الاحتلال الأميركي للعراق 2003 وما بعده هل تؤمن أن الرواية هي بحث تاريخي قد تقرأ كوثيقة مثلما يُقرأ التاريخ وأنها ستحل محله لاحقاً؟
- قد تحل لحظة تكون لدى الروائي فيها مقاربة للطرح التاريخي وليس البحث واستنتاج الخلاصات، فليس لزاماً أن تبنى الرواية على تأصيل الخيال بوضع تاريخي معين. لم تؤت الأعمال الأدبية حقائق يوماً وإن زعمت ذلك، ولا أعلم أن كان هناك من سيقرأ العمل الروائي كوثيقة، لأن عليه أن يجرّده من أقنعة وتماهيات عديدة في هذه الحال. بالتأكيد ستحمل الرواية عناصر بحث خفيّة لكنها ليست أساسية. بالعودة للكتب الدينية، العهد القديم على سبيل المثال، ترى أن هناك حكاية كتبت بأسلوب ما، قد يختلف عما سبقه أو تلاه، ويفترض أن تكون حكاية حقيقية لـ( راوي كلي العلم) حدثت في حقبة زمنية ويفترض أن توحي بأفكار لا زمنية، لكننا نعلم جيداً أنها محض (رواية) كتبها أحدهم بنشوة انتصار أو فداحة الخسارة. وفي الحالتين يجري خلق عوالم وأحداث بطولية زائفة، مبالغات فروسية غالباً، وهو العنصر المتخيّل والحيّ لأيّ قصة، بالنسبة لي أشعر أن الكاتب الجيد هو الطرف الخاسر دوماً، ولعل جل ما يحاول فعله هو إعادة خلق منظور شخصي لعالمه أو للعالم الذي يسكنه وليس مهما أن كان حادثاً أو يتفق مع ما حوله.
* كتبت القصة القصيرة ونشرتها في العديد من الصحف والمجلات، لكنك لم تصدر مجموعة لغاية الآن هل تمثل القصة لديك مختبراً للرواية على حد زعم ميشيل بوتور؟
لم أجمع قصصي بمجموعة لأني كنت أبحث عن قصة أخيرة توثق سلسلة تلك الكتابات، وكلما انتهي من واحدة أجدني باحثاً عن أخرى. اتضحت لي صورة المختبر القصصي الذي يعمل لصالح الرواية في البداية، وهو أمر غير محبب لكن لا مناص منه، فزخم الكتابة الروائية يجرف كل شيء. على أن هناك لحظة يفترق فيها العالمان، عندما تولد قصص لذاتها، بكونها قصصاً فحسب.
* ما رأيك بالرواية العراقية الجديدة وتوصيف القاص محمد خضير لها برواية التغيير وأنها تمتد زمنياً إلى ما بعد حرب الخليج 1991 ؟
- هناك كم كبير من الكتابات داخل العراق وخارجه. بعض الكتّاب بطبيعة الحال كشف عن وعي بالإنسان العراقي ووضعه ومأزقه الحاد، والبعض الآخر استثمر سهولة النشر ومنصات التواصل في نشر شيء ما، تبدو كمرحلة إعلانية يفترض بالجميع فيها أن يروّجوا لوجهة نظر شخصية، بسرد حكاياتهم، دون الالتفات للجوانب الفنية إلا ما ندر، ناهيك عن استقطاب المسابقات الأدبية للغالبية، بما تفرضه هي ودور النشر كذلك من توجّهات. عدا أن الآثار الأولى للتجربة العراقية تبلورت من خلال أدباء المنافي في التسعينات، إضافة إلى محاولات الداخل المحدودة آنذاك. لذا من الصعب تصنيفها جميعها في حقل واحد متساوٍ.
* ما الطريقة التي استخدمتها في بناء الشخصيات – مهنا يسر وعباس الأعور وغيرهما- التي كانت تدخل المشهد الروائي وتغادره، وهل تسعى تلك الشخصيات من خلال نزولها إلى قاع المجتمع إلى تهشيم التابوات (الدين والجنس والسياسة)؟
- كنت أعوّل في بناء الشخصيات على لعبة الكروت الأميركية. انتبهت للعبة الورق التي حملت صور أزلام النظام السابق في لعبة "مطاردة"، وفكرت ببناء 52 فصلاً – عدد كروت اللعب – ربما زاد الأمريكان عدد الكروت من بعد، لكنه أمر غير مهم. اللعبة – المزحة، والدموية في الوقت نفسه، بدت لي إطاراً مثالياً لخلق نمط من الشخصيات، تعكس وضعاً رهيباً، امتد لعقود ماضية ويمضي قدماً في طريق مجهول، وهي أي الشخصيات، ان كانت من أناس القاع أو من فئات أخرى، لم تكن تختلف عن بعضها في نسبة التشوّه الذي أصابها. أحبّذ بطبيعة الحال قراءة الأعمال التي تمتلك فيها الشخصيّات الروائية شعريّة فائقة، تتجسد في سلوكها أو أفكارها أو حتى ضمن إحاطات السرد، وأياً كان وضعها، كائنات مأساوية أو بسيطة، وأحاول أن اشتغل ضمن هذا السياق. فلا أجد معنى لسرد عادي ومسطّح في عالم متحوّل ومحطّم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

نص ونقد.. العبور والانغلاق: قراءة في قصيدة للشاعر زعيم نصّار

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

مقالات ذات صلة

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات
عام

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

حاوره علاء المفرجي الشاعر والرسام العراقي، يحيى البطاط خريج جامعة البصرة تخصص رياضيات، حائز على جائزة الصحافة العربية عام 2010، يقيم منذ العام 1995 في الإمارات العربية المتحدة، وأحد مؤسسي مجلة دبي الثقافية، ومدير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram