مؤخراً أطلقت عدة صحف عراقية نداء استغاثة مفتوح لإخراج الجرائد اليومية من غرفة الإنعاش.
للأسف لم يتفاعل من هذا النداء سوى قلة قليلة جداً بما في ذلك النقابات والاتحادات ذات الشأن. وفضّلَ البرلمان والحكومة والجهات المعنية موقف الفرجة على الحال المأساوي الذي وصلته الصحافة الورقية.
وللمفارقة فإن استغاثة الصحافة الورقية في العراق تتزامن مع إعلان بغداد عاصمة للصحافة العربية لعام 2017.
ولا يقتصر الحديث عن تحديات الصحافة الورقية على العراق أو المنطقة، بل بات تحدياً عالمياً بعد تطور وسائل الاتصال وتغوّل منصّات التواصل الاجتماعي. لكنّ تصاعد التحدي التكنولوجي لايجب أن يكون مبرِّراً لترك الصحافة الورقية لمصيرها المحتوم. فلسنا البلد الوحيد الذي يغرق في بحر السوشيال ميديا والصحافة الرقمية، إلا أنك لن تجد دولة أسلمت زمامها الى فبركات السوشيال ميديا، واستعجال الصحافة الرقمية وتخلّت عن الصحافة الورقية. الاخيرة باتت تلعب دور الذاكرة، والصحفي بات يأخذ دور المؤرخ في عالمنا المعاصر.
وإذا كانت إدارات المؤسسات الصحفية تتحمل جزءاً من مسؤولية مواجهة التحديات والتكيف معها، فإن الدولة ومؤسساتها يجب ان تتحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية لحماية الصحافة الورقية.
فالدولة تمتلك أدوات قوية وفاعلة، لو أرادت استخدامها، لضخّ الدماء في عصب الصحافة الورقية، من خلال خلق منظومة عادلة وشفافة لإدارة توزيع الإعلان الحكومي وغير الحكومي، وكسر احتكاره من قبل مافيات تعشِّش في المكاتب الإعلامية للوزارات والمؤسسات الرسمية.
وكما فعلت الدولة في مبادرتها لدعم الدراما، فالصحافة الورقية أهم وهي أولى بالدعم. فهناك شركات الاتصالات وشركات النفط تلزمها العقود بتخصيص جزء من أرباحها للفعاليات الثقافية والاجتماعية. كما أنّ الوزارات وشركات القطاع الخاص بإمكانها المساهمة في صندوق لإنعاش الصحافة الورقية، عبر إجراءات تلزم هذه الأطراف بذلك.
من هنا يتوجب على لجنة الثقافة ووزارة الثقافة أخذ نداء استغاثة الصحافة الورقية على محمل الجد، وتولي زمام مبادرة إنقاذ الصحافة. فاللجنة البرلمانية قادرة على تشجيع تأسيس صندوق لدعم الصحافة شبيه بصندوق دعم السينما الذي تولت النائبة ميسون الدملوجي تبنّيه مؤخراً. كما أن وزارة الثقافة ووزيرها الزميل الصحفي، مطالب أيضا بإجراءات فعّالة لدعم الصحافة الورقية وتشجيعها مادياً ومعنوياً. وبهذه المناسبة على وزارة الثقافة إدراج الصحافة ضمن (جائزة إبداع الدولة)، وعدم اقتصارها على الفنون المعروفة. فالدور الكبير الذي لعبته الصحافة العراقية بعد 2003 لا يضاهيه دور آخر، لا سيما وأنها قدمت مئات الشهداء في طريق ترسيخ أسس حرية التعبير وتداول المعلومة، ومواكبة التحديات الأمنية والسياسية.
بالإمكان البناء على خطوة (اتحاد أصحاب الصحف) الذي تأسس مؤخراً، لجعله لبنة أولية لمبادرة إنقاذ الصحافة أولاً، وتنظيمها ثانياً، على أسس مهنية تمنع تسلل الطارئين والطامحين، والمعتاشين.
وفي ضوء فشل العمل النقابي الصحفي في العراق لأسباب عديدة، فإن اتحاد أصحاب الصحف بإمكانه لعب دور "المظلة النقابية" المدافعة عن مصالح العاملين في المهنة، وإبعاد الصحفيين "الفضائيين" والصحف "الموسمية" والمنظمات الوهمية، الذين يستولون على الدعم المحلي والدولي منذ 14 عاماً. ولم نرَ لذلك أثراً في واقع الصحافة والصحفيين الحقيقيين.
فمثلاً، أعلن التحالف الدولي تخصيص أكثر من 30 مليون دولار، خلال العامين الأخيرين، لمواجهة داعش وفكره الإرهابي. إلّا أن هذا التمويل الضخم ذهب جزء كبير منه، بطرق ملتوية، لدعم جيوش إلكترونية في الفضاء الافتراضي. إذ وجهت هذه الجيوش ضربة قاصمة لمعايير المهنة، التي تعتمدها الصحافة الورقية، واستبدلتها بالأخبار الملفّقة من هنا وهناك.
كما أن تمويل المانحين الدوليين للجيوش الإلكترونية وضع الصحافة الورقية، أمام تحدّي الموارد الإنسانية التي باتت تبحث عن مردودات مالية عالية من دون جهد حقيقي تبذله.
عن احتضار الصحافة
[post-views]
نشر في: 23 أغسطس, 2017: 09:01 م