حاولت كثيراً أن أضع مُقدِمة لكتابة هذا الموضوع، الذي يتعلق بـ قرار مجلس النواب لتغيير اسم "وزارة الثقافة والسياحة والآثار" إلى "وزارة السياحة والثقافة والآثار".. ولكني في الواقع لم أجد ما أكتبه أو أقوله، سوى تساؤل وحيد، هل أن مشكلات الثقافة في
حاولت كثيراً أن أضع مُقدِمة لكتابة هذا الموضوع، الذي يتعلق بـ قرار مجلس النواب لتغيير اسم "وزارة الثقافة والسياحة والآثار" إلى "وزارة السياحة والثقافة والآثار".. ولكني في الواقع لم أجد ما أكتبه أو أقوله، سوى تساؤل وحيد، هل أن مشكلات الثقافة في العراق حُلّت ولم ينقصها سوى مُشكلة " التسمية "؟ وماذا سيتغير يا تُرى لو تقدمت كلمة السياحة، على كلمة الثقافة، هل من شأن ذلك أن يُطوّر في أحد هذين المجالين دون الآخر؟ فنحن على حدّ سواء نشهد تراجعاً ثقافياً وسياحياً، باستثناء ما يخص السياحة الدينية، والتي لاتشهد أية عناية من قبل الدولة، إلا أن اهمية هذا الجانب السياحي يعود بمردودات جيدة على الاقتصاد الوطني.
ما مُشكلة الثقافة إذاً؟ وتراجع الاسم أو تقدمه! هل من شأنه أن يُنهض الواقع الثقافي المتهاوي؟ يبدو أن مُثقفينا يجدون أن في تسمية الوزارة أهمية كبيرة، وأن تراجع هذا الاسم وتقدمه يؤثر في الواقع الثقافي، الذي لم نجد له أيّ ملامح واضحة منذ عام 2003 وحتى اليوم، إلا محاولات فردية في كل مجال فني أو ثقافي كان.
نُكتة نيابية
ولأن الثقافة هي الركن الأساس والجوهري في أي تحول سياسي، فقد توّقع البعض أن ما جاء به مجلس النواب العراقي من مساعٍ لتغيير هذا الاسم ما هو إلا نُكتة من النُكات التي عوّدنا عليها مجلس النواب العراقي، وهذا ما ذكره رئيس الاتحاد العام للأدباء والكُتاب في العراق ناجح المعموري، وقال "اعتقد أن مثل هذا التصور الذي جاء به مجلس النواب العراقي، لا يُعبّر عن وجود وعي حيوي ومعرفة جوهرية بأهمية ودور الثقافة، كذلك يعبر عن وجود شيء من العماء لأن الثقافة وكل ما بدأت به الدولة العراقية الحديثة منذ عام 1921 لا يمكن الإخلال بسياقه المنتظم لأنه يمثل الناظم الحقيقي الذي يولد الانسجام بين تبادل الوظائف المعنية داخل البلد".
يبدو أن الاتحاد العام للأدباء وكونه المؤسسة الأهم ثقافياً في العراق، يجد أن هذا القرار ينطوي على شيء من الخطورة المُدرَكة والواعية أيضاً، فيذكر المعموري أن "وجود اسباب تذهب باتجاه قطع التراتبية بين الثقافة وتشكّلاتها الأُخرى، وأن مجلس النواب ليس حريصاً على السياحة والآثار ولو كان حريصاً لأتخذ اجراءات لدعمها فمن يذهب الى مدينة أور ذي قار أو كل المدن الموجودة في ذي قار لن يستطيع الحصول على ملعقة ماء هناك، وهم يقصدون بهذا التغيير تقديم السياحة الدينية فقط لاختزال السياحة الحضارية".
يؤكد المعموري أن"الثقافة العراقية، ثقافة وطنية وديمقراطية وليبرالية تؤثر في مساحة الجهل والأُمية التي يحتشد بها الشارع والمناسبات ومنها مناسبات الطقوس والتعازي، لذا على مجلس النواب أن يعي ويُدرك أن حركة الثقافة والفن لهم بالمرصاد." ويشدد المعموري على أن "الذهاب بهذا الاتجاه هو خيانة للثقافة وكسر للتراتبية، واتمنى على مجلس النواب أن يتفرغ لتشريع قوانين مهمة وحيوية ولا يلتفت لهذه القضية".
تغييب الهوية الثقافية للعراق
لم تختلف آراء الشخصيات الثقافية العاملة ضمن حدود الوزارة عن رأي المعموري كثيراً، فقد شاطره الرأي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية شفيق المهدي، والذي قال "في حال صحة مساعي مجلس النواب في اتخاذ مثل هذا القرار، فعلينا في هذه الحالة أن ننسى أو نتناسى هوية العراق الثقافية، لأن العراق ليس بلداً ذا انجاز سياحي بالأساس، منجز هذا الوطن ثقافي بحت، أما المدن السياحية فقد خلقتها الثقافة والتأثيرات الحضارية والثقافية." مُشيراً الى أن"السياحة في العراق، غائبة وضعيفة، ويستثنى من ذلك السياحة الدينية فقط، أما الثقافة فلاتزال قائمة ومُفعلة رغم محاولات كثيرة لقتلها وتغييبها، إلا أن المثقف العراقي غالباً ما ينتفض على ذلك".
قرارات لا موضوعية
البحث عن موضوعية قرارات مجلس النواب العراقي، التي تزلق دائماً في دائرة اللا أهمية، فلماذا لا يسعى أو يتفق هذا المجلس على قرارات مصيرية تُهمّ البلاد والشعب، ويصبُ اهتمامه في "اللا شيء"! تساؤل يطرحه الأكاديمي المسرحي جبار خماط قائلاً "القرار يخلو من الموضوعية، وأن هذا القرار يصب في خشية مجلس النواب العراقي من النشاط والبعد الثقافي، ولهذا هم يبذلون الكثير من المحاولات لتأخير البعد الثقافي، وتقديم البعد السياحي الذي يتخذ في العراق طابعاً دينياً فقط".
العطالة الثقافية
مشروع التغيير هذا يؤكد أن الثقافة لاتحظى بالاهتمام والدعم، وربما النظر إليها بوصفها مجالاً سياحياً خاصاً، هذه النظرة تكشف من جانب آخر عن محدودية التقاطع بين الملف الثقافي الذي يفتقر للأهمية والذي يواجه تحديات كبرى يعيشها الواقع العراقي، فيؤكد الناقد علي حسن الفواز أن "الواقع العراقي يعاني تحدبات "ثقافوية" ضد العنف والإرهاب والتكفير والطائفية، كذلك يواجه هذا الواقع تحدياً ثقافياً لبناء الدولة المدنية التي تحتاج إلى تأسيسات ثقافية وتنموية وعمرانية مهمة".
لذا يعتقد الفواز أن "السعي الى التغيير هذا يهدف الى تكريس العطالة الثقافية ويعبر عن أن المؤسسة الدولية العراقية الحالية تحاول أن تعيد هذا البلد إلى واقع الدولة القديمة المتجهة الى الاستبداد والدكتاتورية".
وزارة ميتة سريرياً
لكن، "ثقافة البلد لا يصنعها العنوان، بل التخطيط والإدارة" جُملة أطلقها الفنان والاستاذ الجامعي احمد شرجي قائلاً "اي ثقافة تهتم بها الوزارة؟ هذه الوزارة أشبه بجامعة الدول العربية، وهذا لا يعني التقليل من قيمة العاملين فيها أو من يترأسها ، لكن حقيقة وظيفتها مبهمة ومفتوحة، ومن الصعب تحديد مهماتها ، هل هي معنية بالإدارة الثقافية؟ واذا كانت هذه وظيفتها وتصرف عليها ملايين الدولارات شهرياً، فلماذا الثقافة في العراق للآن بلا ادارة حقيقية".
لنتساءل هنا أن هذه الوزارة التي أشتغل الوسط الثقافي للدفاع عن اسمها، هل سوّقت مخرجاً سينمائياً أو مسرحياً أو فناناً تشكيلياً أو مؤلفاً أو شاعراً؟ هل صنعت حدثاً ثقافياً دولياً داخل العراق؟ يؤكد الشرجي أن "الثقافة العراقية حضرت دولياً بجهود فردية، مخرج ينتج فيلمه على حسابه ويشارك به في مهرجانات سينمائية وظرفه المالي لا يسمح له بحضور المهرجان، ولهذا يَحضَر الفيلم ويغيب مخرجه، وكاتب كما احمد سعداوي يفوز بأهم جائزة عربية عن روايته ( فرنكشتاين في بغداد) وتترجم الى اكثر من عشر لغات حية، ولكن اين مهمة الادارة الثقافية باستثمار هذا الفوز وتسويقه ثقافياً الى الآخر؟ وهل أن وزارة الثقافة مهمتها الانتاج الثقافي؟ اذا كانت كذلك فإنها للأسف الشديد فشلت بإنتاج ثقافة حقيقية على مستوى المعرفة والفن والإصدارات".
موقف وزاري غامض
قد يكون رأي احمد الشرجي قاسياً، إلا انه لايبتعد عن الواقع أبداً، أما عن وزارة الثقافة وموقفها من هذا القرار النيابي، لم يكُن واضحاً تماماً، حيث أكد الناطق الاعلامي باسم الوزارة عمران العبيدي أن "اسم الوزارة تم تحديده من قبل مجلس الوزراء ومجلس شورى الدولة ومتفق على بقائه وحسب مقترح القانون ومثلما تم تقديمه إلى مجلس النواب بعد حزمة الإصلاحات والدمج".
وتصريح العبيدي هذا يشير إلى قرار قديم، أما عن مساعي وأهداف مجلس النواب اليوم لتغيير اسم الوزارة، لم نلمس أي تعقيب أو موقف صريح وواضح عن رفضها لقرار مجلس النواب الحديث، بل أعلنت وبخجل ما جاء به العبيدي أن " موقف الوزارة ينسجم تماماً مع هذا التوجه بالإبقاء على التسمية المقترحة باسم وزارة الثقافة والسياحة والآثار." ، لتتساءل النخب والجمهور الثقافي، هل ستقف الوزارة موقف المُتفرج في حال تم إقرار تغيير اسمها، وهل ستكتفي بأن تُدير الشأن الثقافي بجميع ما يُعانيه لتكون مؤسسة حكومية، يتسلم موظفوها أجورهم ورواتبهم في نهاية كل شهر؟!