تتعهد الأنظمة الديموقراطية العلمانية في العالم باحترام الأديان كلها وضمان حرية الفكر والتعبير، كما تلتزم بعدم التدخل في نمط العيش وماينطوي عليه من اختلاف طرز الملابس وأساليب الحياة وتتكفل بضمان حرية التنقل والسكن في حدود الوطن الواحد وتحمي الأفراد وتوفر حمايتها الإنسانية والسياسية والقانونية للجميع، فالدولة المدنية علمانية نظام حكم لايعادي الدين ولايعتمده نظام حكم بل يعترف بجميع العقائد والأديان ويعاقب من يتدخل في حياة الأفراد وحرية معتقداتهم الدينية وأفكارهم، ويحق للفرد مقاضاة أيّ موظف دولة أو حاكم يصادر حريته وعقيدته. في بلادنا التي تدعي الديموقراطية يحدث النقيض: تتحكم الأحزاب الدينية بحياة الناس، وتتضامن مع أشباهها في أساليب تخريب البلاد وسرقتها ومحاربة الرأي المختلف وإرغام المجتمع على تبني أسلوب عيش تفرضه بالقسر .من قال لهؤلاء أن الديموقراطية تختزل بصناديق الاقتراع؟ ومن قال إن الديموقراطية تختزل بصعود ممثلي الأحزاب الى البرلمان والمواقع التنفيذية؟ هل أنبأتهم الدول المتحضرة بأن الديموقراطية تبيح تأسيس ميليشيات مسلحة؟؟ وهل تعلموا في بلدان لجوئهم - التي يدينون لها بالولاء - أن الديموقراطية تتيح لهم سرقة البلاد وتوزيع مناصب الدولة على الأقربين والتابعين مع انعدام الكفاءة؟ من قال لهم أن في البلد الديموقراطي يُحكم المجتمع من فوق منابر الجوامع ويُهدد مواطنوه بالقصاص عندما تخالف أفكارهم توجهات الكتل الحاكمة ؟؟ والمخالفة هنا تعني أن يحمل معظمنا فكراً عصرياً مستقلاً نتاج ثقافة عقلانية ومنظومة قيمية مختلفة أسسنا عليها مواقفنا وأسلوب حياتنا وتفاصيلها اليومية ؟
ليت هؤلاء يفهمون أن الوطن للجميع وليس للفئة الحاكمة تتسلط على المجتمع وتتحكم بالمصائر وموارد الدولة على أساس فقه أو فتاوى تبيح لها استباحة المال العام ويسرق اعضاء كتلها الحاكمة ثروة البلاد وتحميهم دول يدينون لها بالولاء قبل ولائهم للوطن..
ليت هؤلاء يفقهون أن ملايين العراقيين خدموا هذا الوطن منذ عقود طويلة وما سرقوا أموالاً عامة ولا استولوا على عقارات الدولة ولا نهبوا مواردها كالجراد القادم في موجات مجاعة، فأحالوا كل ماكان عامراً من مظاهر المدنية إلى خراب، وجرفوا الاراضي الزراعية والبساتين لتحويلها إلى استثمارات لتابعيهم، مثلما هددوا المختلفين دينياً لإرغامهم على الهجرة ثم الاستيلاء على عقاراتهم.
الديموقراطية تعني أن تعدل بمقدار ماتستطيع، وأن تتقبل المختلف فكراً وعقيدةً ومواقف، وأن توقف هيمنة الأعراف العشائرية ليسود القانون وحده ويحتكم إليه المظلومون، الديموقراطية ليست حكم الأغلبية بالجور ومصادرة حقوق الملايين الذين تحملوا تبعات الحروب الحمقاء وفقدوا ابناءهم وكرامتهم وكابدوا ويلات الحصار، الديموقراطية أن تحكم الأغلبية بالعدل والقانون لصالح الملايين التي تعاني العوز وفقدان الخدمات والكرامة الانسانية.
الديموقراطية أن لاتغلقوا أبواب الحياة والتطور وتحاربوا المدنية والتحضر وأنتم تستخدمون أدوات المدنية واختراعاتها لتعزيز تشددكم، الديموقراطية هي أن لاتحرموا الموسيقى والفنون وتنعتوا كل شأن ثقافي وكل فكر مختلف بالخروج على ملتكم، الديموقراطية أيها السادة هو أن يرتقي العلم وتنتعش الفنون والآداب وأن يٌحترم الاختلاف وتُحترم معارضة المواطنين الداعين للدولة المدنية؛ فالمعارضة هي لو تعلمون كما وصفها المؤرخ الامريكي (هاوارد زِن) : (المعارضة أعلى درجات الوطنية) ولايقوم مجتمع ديموقراطي مالم تنشط فيه معارضة تتنافس مع الاحزاب الحاكمة في تقديم برامج اقتصاد وبناء وتعليم قائم على معطيات العلوم الحديثة وثقافة تعزز مدنية البلاد ومواكبة العصر.كل ادعاء للديموقراطية مصحوب بالتشدد والفساد هو ديكتاتورية محكوم عليها بالزوال كشأن أية ديكتاتورية في تاريخ الانسانية.
ديموقراطية التشدد: ديكتاتورية الخراب
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2017: 09:01 م