adnan.h@almadapaper.net
"النزاهة تُصعِّد إجراءاتها وتستعدّ للإطاحة بمحافظين ومسؤولين فاسدين" .. كان هذا عنواناً رئيساً في عدد الأمس من هذه الصحيفة، وهو عنوان لتقرير يبشر بقرب تقديم مسؤولين حكوميين كبار الى القضاء بتهمة الفساد الإداري والمالي.
الفساد المالي والإداري جريمة في كل الشرائع، وهي جريمة كبيرة لأن ضحاياها هم كل أفراد المجتمع، وليس فرداً واحداً أو جماعة صغيرة، والفساد الإداري والمالي جريمة مخلّة بالشرف ومركّبة، لأنها تنطوي على سرقة المال العام والخاص وخيانة الأمانة والواجب واستغلال النفوذ والتزوير في الوثائق والمحررات الرسمية وتجاوز حدود الوظيفة العامة والخاصة وصلاحياتها، وانتهاك حقوق الغير .. وما إلى ذلك من أفعال جرمية تعاقب عليها قوانين الدول المتقدمة والمتخلفة على حدّ سواء، وكذا أعراف المجتمعات المتقدّمة والمتخلفة.
منذ أن استحوذت أحزاب الإسلام السياسي على مقادير البلاد، لما يزيد على عشر سنين الآن، صار الفساد الاداري والمالي ظاهرة عامة شاملة، لم يتورّع عن ارتكابها زعماء أحزاب ورجال دين انخرطوا في العمل السياسي ووزراء ونواب ووكلاء وزارة وسفراء ومدراء مؤسسات ودوائر ومحافظون وأعضاء مجالس محافظات وضباط جيش وشرطة وأمن.... وصولاً إلى موظفين ومستخدمين في أدنى السلم الإداري في الدولة، فضلاً عن رجال أعمال وتجار وصيارفة وسماسرة.. إلخ، حتى صار الفساد الاداري والمالي ممارسة لا تُشين صاحبها في الغالب من فرط التوسع فيها.
التقارير الدورية لهيئة النزاهة وبياناتها تؤكد هذا.. لكن ما يحيّرني الآن هو أمر إفلات مرتكبي جرائم الفساد الإداري من العقوبة المتوجبة أو اللازمة التي تشتمل على السجن، فضلاً عن استعادة المال المنهوب.
في بيان لها أمس أعلنت هيئة النزاهة أن محكمة جنايات ميسان أصدرت حكماً وجاهياً بحقِّ مديرة مصرف الرشيد (حكومي) - فرع جامعة ميسان، يقضي بالحبس سنةً واحدةً استناداً لأحكام المادَّة 340 من قانون العقوبات، وبإلزام المدانة بدفع مبلغ 760 مليون دينارٍ، يبدو أنه المبلغ الذي سرقته المديرة المدانة أو تصرّفت به.
مصدر الحيرة في هذا الإعلان ليس فقط الحكم المخفّف (سنة واحدة فيما المادة 340 من قانون العقوبات تجيز المعاقبة في مثل هذه الواقعة بالسجن لما يصل إلى سبع سنوات)، وإنما أيضاً في ما ورد في البيان من أن المحكمة قرَّرت عدم إطلاق سراح المدانة ما لم يتمّ تسديد المبلغ إلى المصرف الذي كانت تعمل فيه بصفة مديرٍ!
أظنّ أن حكماً من هذا النوع لا يشكّل ردعا كافياً لمرتكبي جرائم الفساد الإداري والمالي..
الآن يُمكن لكلّ موظف أن يختلس ما يشاء فإذا افتضح أمره يُحكم حكماً بسيطاً، كالحكم على مديرة المصرف، يقترن بشرط ردّ المال المسروق وهذا ليس بالشرط العسير، فالذي يختلس مئات ملايين الدنانير سيشتري بها عقارات أو يستثمرها في أعمال مُدرّة للأرباح الطائلة، ويُمكنه بكل بساطة إعادة المبلغ من الثروة المُختلسة التي تضاعفت من جراء استثمارها.
من دون تغليظ الأحكام في حقّ الفاسدين لا أمل البتّة في مكافحة الفساد الإداري والمالي.