"أنْ يأتي أخيراً، خَيْرٌ مِن أنْ لا يأتي أبداً ".هذا قول مأثور "مدني" يُقال للدلالة على أكثر من حدثٍ وأوسع من تمنٍّ في حالة عجزٍ من انتظار ما لا يأتي، أو يستعصي على التمنّي، كما هو الحال في ما يتمناه كلّ عراقي من انكشاف المستور عن العبث الذي لم ينقطع بموارد الدولة والمال العام المنهوب، وسوى ذلك من الانتهاكات والتعدّيات، وصولاً إلى غيبوبة الدولة وغياب النظام والتعتيم على الدستور ..!
فما نُشر حول اعتقال عبد الفلاح السوداني في مطار رفيق الحريري، بعد ثماني سنوات من هروبه خارج العراق يتماهى مع هذا القول المأثور، ويُحقِّق بعض تمنيات العراقيين الذين باتوا بلا تمنيات لكثرة ما أصابتهم الخيبات .
وليس مهمّاً، إذا صحّت واقعة الاعتقال وانتهت بالمعتقَل إلى المثول أمام القضاء العراقي، أن يتنصّل حزب الدعوة الإسلامية من انتمائه إلى عضويته، والحال أنّ " الدعوة " بات الآن مسمّىً للعديد من الاحزاب المنشطرة عن الحزب الأُم ، مع أنّ دولة القانون الذي يتزعمه أمين عام الحزب لم يُعلن موقفاً أو يؤشّر لمسؤولية الحزب أو الجهة التي تبنّته، رغم أنه استوزر في حكومة الجعفري ثم في حكومة المالكي الأولى، وكان الأقرب إليه .
ومن المؤكد أنّ كل عراقي، بغضّ النظر عن انتمائه أو ولاءاته، إذا كان مشدوداً إلى مصالح العراق العليا وليس إلى ضيق الأُفق الحزبي أو المصالح الفئوية والطائفية والشخصية، سيستقبل بالتقييم الإيجابي أيّ خطوة من جانب الأحزاب الحاكمة لكشف المتورطين بالفساد والجريمة المنظمة وما ارتُكب من كبائر في تمكين داعش من اغتصاب الموصل وثلث العراق، وما أدى إلى تصفية أبرياء وشهداء سبايكر، وما انتهى إلى تبديد ثروات البلاد وأسلحته وأعتدته، واستشهاد الآلاف من خيرة أفراد ومنتسبي القوات المسلحة والمتطوعين الوطنيين ..
إنّ خشية الأحزاب الحاكمة على رصيدها " الوطني" وضمور شعبيتها وتراجع نفوذها في الانتخابات المقبلة، إذا هي ما أقدمت على فتح ملفّات الفساد والانتهاكات، هي محض وهمٍ وخطأ فادح ، لأنّ العكس هو الصحيح ، فمثل هذه الخطوة ستعزِّز ثقة الوطنيين العراقيين بكلّ حزب أو كتلة أو تيّارٍ أو شخصية مستقلة، وتفتح باباً واسعاً لإعادة الاصطفاف السياسي، وموازين القوى في العملية السياسية المتعثرة لصالحها .
وقد يتساءل العراقي، وهو يواجه كلّ التحديات التي تُنذر بمخاطر وتداعيات: إلى متى يظل السيد رئيس الوزراء ملتزماً الصمت إزاء إخفاء ملفّات التحقيقات حول تسليم الموصل والحواضر الأخرى، وسبايكر، وتبديد مليارات الدولارات في الأدراج المُغبرَّة لمجلس النواب؟ ومتى يتحوّل جهاز الادّعاء العام العراقي إلى الأداة الوطنية للعراق المُبتلى فيتولّى هو دون خشيةٍ أو قلقٍ من عواقب، تسليط الضوء على الملفّات المذكورة ويستعين بالدستور لمساءلة مجلس النواب ورئاسته حول تسترهما عليها وعلى غيرها من القضايا الناقصة ؟
لعلَّ في البراءة المتأخِّرة من السوداني ما يُحفِّز ....!
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2017: 06:31 م
جميع التعليقات 1
حكمة اقبال
لا يمكن توقع أي خير من الاحزاب الحاكمة ولا رئيس الوزراء ولا الإدعاء العام .