TOP

جريدة المدى > عام > ردٌ على رد..التوريطات النقدية: مكاشفات للعواهن وإبانات عن العلّات

ردٌ على رد..التوريطات النقدية: مكاشفات للعواهن وإبانات عن العلّات

نشر في: 12 سبتمبر, 2017: 12:01 ص

منذ القدم والعرب تمثل على الشيء الذي يترك من دون تقييد أو تحييد بقولها (تُرك الحبل على الغارب) ومن هذا المثل انطلق في مقالتي التي هي ليست تعقيباً على مقالة الاستاذ الناقد جاسم عاصي الموسومة ( رد على مقال .. البدايات والمبررات) المنشور في ثقافية "المد

منذ القدم والعرب تمثل على الشيء الذي يترك من دون تقييد أو تحييد بقولها (تُرك الحبل على الغارب) ومن هذا المثل انطلق في مقالتي التي هي ليست تعقيباً على مقالة الاستاذ الناقد جاسم عاصي الموسومة ( رد على مقال .. البدايات والمبررات) المنشور في ثقافية "المدى" يوم الاثنين 21/آب/2018 ولكنها تكملة لمقالي المعنون (السبق النقدي في اجتراح المتوالية السردية وكتابتها)  والذي نشر في ثقافية "المدى" في 24 /تموز/ 2017 (علماً انني ارسلته للصفحة في ايار الماضي) كي أدلل على المتواري وأوضح ما خفي.. مشيدة بمقال الأستاذ جاسم عاصي لا في توكيده لما طرحت حسب، وإنما في إضافاته المهمة حول التأسيس لمصطلح المتوالية القصصية أو السردية وتاريخية الشروع بانتهاجه عند القصاصين العراقيين ..

ولأجل أن ندلل على الأمور من دون أن نتركها على عواهنها لا وجلين ولا مترددين ولكي تبان العلل الكامنة وراء الأسباب، إبانة للالتباسات وكشفاً للتخبطات التي تدخل في باب التوريط النقدي الذي بينت فحواه النظري في مقالتي أعلاه مما كانت قد حذرت منه الناقدة الامريكية ليندا هتشيون، فإنني أضع أمام الأنظار بعضاً من هذا التوريط النقدي:
التوريط الأول / وقع فيه ناقد أكاديمي وهو بصدد مصطلح المتوالية وذلك في ندوة أقامها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في 27/نيسان/2017 تحت عنوان (القصة القصيرة في العراق) وفيها قدّم الزميل الدكتور ثائر العذاري بحثاً عنوانه (المتوالية القصصية) أكد فيه أن المصريين هم من عرفوا هذا اللون من الكتابة القصصية، وأنه حين عمل أستاذاً زائراً في مصر( وهذا أمر حقيقي أن يحسد عليه) اكتشف أو تفاجأ أن في مصر( وهذا أمر يؤاخذ عليه ولا أقول يحاسب) ما نصه:" تجارب كثيرة لم نعرفها هنا في العراق (وأضع كلمة كثيرة بين هلالين كبيرين تعجباً ودهشة) ومن هذه التجارب ما يطلق عليه هناك بالمتوالية القصصية منذ العام 2000" ( أي انه لم يسمع بالمصطلح من قبل وهو الأستاذ في النقد الادبي ناهيك عن كونه اغفل ابتداع ارنست همنغواي لهذا اللون من الكتابة السردية وقوله ((هناك)) يعني في مصر)
ويمضي الناقد مدللاً على المفهوم لا المصطلح قائلاً: (كتّاب القصة المصريون لا يكتبون قصصاً منفردة بل يعمدون إلى جعل المجموعة القصصية كتاباً قصصياً ..) وإذا أراد التمثيل والنمذجة فإنه يمثل بالكاتب الكويتي طالب الرفاعي ومجموعته الكرسي والقاص حامد فاضل ومجموعته المفعاة..
والأدهى مما تقدم أن المحاضرين الاثنين اللذين تبعاه في التدليل على القصة القصيرة في العراق وهما محمد السعيدي ومثنى صادق، قد جاءا ليتناولا القصة القصيرة من جوانب لا علاقة لها بما طرحه زميلهم من الناحية التاريخية كما لم ينتبه احد من المداخلين الى ما كان العذاري قد خاض فيه ودلل عليه .. وبالإمكان مشاهدة الندوة كاملة على اليوتيوب في موقع قناة الأدباء ليطّلع قارئ هذا المقال على سائر التفاصيل التي أدلى بها المحاضر.
التوريط الثاني / يتعلق بوقائع نقدية تتعلق بأسماء قصاصين ورد ذكرهم في مقال الأستاذ جاسم عاصي الموسوم ( رد على مقال .. البدايات والمبررات) ومنهم اسم القاص والروائي الأستاذ جهاد مجيد، إذ أن نظرة فاحصة على ماهية الوقائع ستعفينا من التوريط النقدي وستضعنا على جادة الصواب، لنتبين أن الأستاذ جاسم عاصي كان سبّاقاً نظرياً وهو يؤسس لمصطلح لمتوالية السردية، بينما كان الأستاذ جهاد مجيد الأسبق عملياً في انتهاج هذا اللون من الكتابة السردية وببصمة عراقية خالصة..
وبدلاً من أن يوجه الناقد الأستاذ جاسم عاصي نقده إلى العذاري الذي أغمط حقه وحق القصاصين العراقيين قاطبة.. نجده يولي مسألة الشروع في الإجراء الاهتمام كله، ناسياً أهمية التأسيس للمنظور وهو ما كنت قد أثبت السبق فيه للأستاذ جاسم عاصي.
وهكذا راح يتحدث عن أسبقية الكتابة في هذا اللون السردي مشيراً إلى روايته (مستعمرة المياه) التي طبعتها وزارة الثقافة ونشرت عام 2004 وقد جاء في التذييل الذي أثبته في نهاية المادة السردية ما يشير إلى أن كتابة الرواية على شكل متوالية سردية كانت بين الأعوام 1990ـ1996 كما أن افتتاح الرواية يؤيد ما تقدم ومما قاله الروائي عاصي:" لم تستقر الفصول على مركز للحكي..إنها متوالية سردية لأبطال المستعمرة ما طال بهم العمر" ص9
أما الأستاذ جهاد مجيد فكان أن باشر بكتابة هذا اللون في روايته (حكايات دومة الجندل) منذ العام 1988 وقد قال في مقدمة الرواية التي طبعتها وزارة الثقافة ونشرت أيضا العام 2004 وتحت عنوان(إشارات) ما نصه:" نشرت حكايات دومة الجندل متوالية في مجلة الأقلام منذ العام 1988 حتى العام 1993 عدا خاتمتها فقد نشرت في مجلة الأديب المعاصر العدد 50 وهي وحدات سردية منفصلة متصلة تقبس من القصة القصيرة الكثافة في المشهد والجملة وقصر الحجم بالنسبة لكل وحدة منفردة والاستقلالية النسبية ضمن هذا الحجم ومن الرواية الروابط الوثيقة بين كل الوحدات وحدة المناخ ونسغ الأحداث المتصاعد عبرها والشخصيات دائمة الحضور أو المتكررة ووقائعها المتشظية في كل الوحدات أو معظمها وسوى ذلك من خصائص.. ان كل وحدة منها تحمل عنوانا يستوفي خصوصيتها استجابة لمقتضيات نشرها مفردة في مجلة وان إبقاء هذا العنوان وحذفه لا يضر بغايات هذه المحاولة "" ص5 وص6
ونضيف إلى ما قيّده الأستاذ جهاد مجيد، ما كان الناقد جاسم عاصي نفسه قد كتبه عن رواية (حكايات دومة الجندل) ونشره في مجلة الأقلام العدد الرابع عام 2000 ونقتطف منه هذا القول:" يحاول القاص جهاد مجيد عبر متوالية دومة الجندل أن يؤسس مدينته الواقعة بين المخيلة والواقع التاريخي لذا فإن التوظيف هنا يتحدد على وفق منظورات متعددة يعتمد المصادر والأخبار. نحن أمام حقائق متخيلة ومتخيلات حقيقة تجتمع لتشكل خصائص دومة الجندل"
ولا غرو أن إجرائية الاجتهاد السردي عند الأستاذ جهاد مجيد، كانت عن وعي ومقصدية كما أن اجتراح الأستاذ جاسم عاصي لمصطلح المتوالية كان عن إدراك وأحقية لكن أسبقية الإجراء تتقدم على أسبقية التنظير، بدليل أن نشر أول فصل من حكايات دومة الجندل كان في العام 1988 في حين نشر أوّل نص من مستعمرة المياه ـ كما يذكر الأستاذ جاسم في مقاله أعلاه ـ (في مجلة الأقلام (العدد2) عام 1996 تحت عنوان (اليقظة) ثم تلاه نص (الشروع) في العدد (5/7) المزدوج عام 1999 ) .. ناهيك عن ما عرف به القاص جهاد مجيد منذ السبعينيات من انبهار بكسر الحدود التجنيسية والتجريب فيها، وقد حددها نظرياً عام 1972 في المجموعة القصصية المشتركة (الشمس في الجهة اليسرى) في التقديم للمجموعة قائلاً:" إن القاص لكي يصل الدرجة القصوى في إبراز معاناته كاملة عليه أن يردم الفواصل بين كل الأشكال الفنية المختلفة ولا يقيد نفسه بتيار واحد .. والهدف الرئيس هو إيصال المعاناة بتمامها بحيث تكون ساطعة بكل جزئياتها) ص3
ويفيدنا في هذا المضمار من الوقائع تقديم الأستاذ جهاد مجيد لمجموعة (العناكب) للقاص الراحل نعمان مجيد وهي من منشورات الاتحاد العام للأدباء 2007 إذ قال فيها: (إن تطوير الأساليب والوسائل والإضافة من الخصوصيات المعاصرة والتراثية هي التي تبلور أساليب من السرد متناً ومبنىً وفنًا وعلماً) ص4
ولا خلاف أن في الإشارة إلى هذه الوقائع وغيرها كثير، أمراً ليس بالجديد على المتابع للمشهد السردي العراقي، لكن توضيح الحقائق غدا أمراً محتماً كون التجاهل لها ما عاد يوقع إلا في مزيد من التوريط النقدي سواء في تعسف الطروح وتخبط المفاهيم وغمط الحقوق أو في تجيير المفاهيم لمصالح شخصية حتى كدنا ننسى غزلنا وننكث ما أسسناه مستذكرين جزءاً من كل، ومدللين على الكل بالبعض .. وتعقيباً على ندوة الاتحاد المشار إليها في أعلاه أود أن اقترح على اتحادنا اتحاد الأدباء والكتاب ما يأتي:
أولاً / أن يحدد الاتحاد لكل جلسة يروم عقدها عدداً من المداخلين المتخصصين الذين تنشر أسماؤهم قبلياً لكي يدلوا بآرائهم بتخصص ومهنية.
ومهمتهم التكفل بالرد تحليلاً وتعقيباً وتصحيحاً بدلاً من أن يكون المحاضر في الجلسة فارس الساحة يقترح ويجترح ويدلي من عندياته ظاناً أنه سينال قصب السبق وبراءة الاختراع جاعلاً ما يطرحه منسوباً إليه شاطباً جهود السابقين عن دراية أو عدمها.
ثانياً/ أن تكون لإدارة الجلسات التي يشترك في تقديمها اثنان أو ثلاثة محاضرين ضوابط تتعلق بطبيعة اشتراك المحاضرين والكيفية التي سيدلّون بها على الموضوع لكي يكمل احدهم الآخر ويوضح الواحد ما التبس عند الآخر، وبهذا ينتفع الجمهور المتلقي وتتحقق الأهداف المرجوة..
ثالثاً/ الاهتمام بالقضايا والظواهر المستجدة والطارئة والإشكالية والتاريخية بعيداً عن الموضوعات التي كثر اجترارها وعفا عليها عصر النقد والسرد.
رابعاً / تخصيص جلسات للتقويم والمراجعة فصلية أو دورية تتم فيها مراجعة كتب تم طبعها مؤخراً ذات موضوعات قيمة تستحق النظر والمراجعة أو القيام بالغربلة لمجموعة من الجلسات التي تم تقديمها والقيام بنقد مستوياتها وطبيعة مخرجاتها وما إلى ذلك من أمور مماثلة.
وبهذا سيعضد بعضنا عطاء بعض إبداعياً وسنوجه عجلتنا الثقافية وجهة صحيحة ومنطقية، وإلا فإن الزمن سيتعدانا وستكون أعمالنا جعجعة بلا طحن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

نص ونقد.. العبور والانغلاق: قراءة في قصيدة للشاعر زعيم نصّار

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

مقالات ذات صلة

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات
عام

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

حاوره علاء المفرجي الشاعر والرسام العراقي، يحيى البطاط خريج جامعة البصرة تخصص رياضيات، حائز على جائزة الصحافة العربية عام 2010، يقيم منذ العام 1995 في الإمارات العربية المتحدة، وأحد مؤسسي مجلة دبي الثقافية، ومدير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram