في الآونة الأخيرة ردد عدد من المسرحيين العراقيين وبالذات في إحدى صفحات جريدة (المدى) مصطلحات مثل (المسرح الشعبي) أو (المسرح الجماهيري) وهما من الصفات التي يطلقونها لوصفهم المسرحيات التي تقدم باللغة العامية أو باللهجة الدارجة والتي تعتمد على المواقف المضحكة والأوضاع الهزلية وفقرات الرقص والغناء مما يجتذب اعداداً غفيرة من المتفرجين الذين لا يجدون مجالاً لتسلية غير مشاهدة مثل تلك المسرحيات. انهم يطلقون مثل تلك المصطلحات على مسرحيات تستهوي عامة الناس من غير أن يدركوا أن مسرحية مثل (المتنبي) لعادل كاظم وإخراج ابراهيم جلال وهي مكتوبة بالشعر العامودي وبالنثر البلاغي، هي مسرحية شعبية أو مسرحية تراثية مثل (بغداد والأزل بين الجد والهزل) لقاسم محمد هي الأخرى مسرحية شعبية وإن مسرحية مترجمة عن الألمانية هي (رحلة في الصحون الطائرة) ترجمة فيصل الياسري واخراج ابراهيم جلال وتتحدث عن اغتراب الإنسان في وطنه هي مسرحية شعبية بكل معنى الكلمة.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة للمسرحيات التي شاهدها جمهور المسرح العراقي وكتبت باللغة الفصحى وموضوعاتها جدية هي الأخرى شعبية، يا سادة ليست اللهجة هي التي تحدد صفة المسرحية فيما إذا كانت شعبية أم غير شعبية، جماهيرية أم غير جماهيرية. نعم المسرح الشعبي هو ذلك الذي يتوجه إلى أوسع الجماهير ولكن بأية مضامين وبأية اشكال. وهنا نرجّح رأي المخرج الايطالي (بوجينيو باربا) صاحب فرقة الاودين الدانيماركية حيث يقول: " من يدعي أن المسرح يجب أن يعود فناً كما كان فإنما يظهر جهلاً بتاريخه.. إذ لا يستجيب للعرض المسرحي إلا تلك المجتمعات المتماسكة بعمق وبقوة والمشتركة بنظرة واحدة للحياة، تستجيب له عندما يلامس مصادر أيمانها ومنابع حياتها الروحية". ونعقب الايمان بحق الشعب في أن يعيش حياة مرفهة وكريمة، ومنابع الروح في فاعلية المسرح لتهذيب الفكر والنفس ورفع مستوى الذائقة لا تشويهها كما يفعل البعض ممن يدعون شعبية مسرحهم. ويذكر الخبير المسرحي (برونوشاخبيريل) بضرورة انسانية المسرح ومهمته التعليمية الروحية، وأن لا يكون هدف المسرح نشره لأكبر عدد من الناس فقط بل أن يعبر عن مشاكل ومشاغل الناس.
يتمثل المسرح الشعبي بثلاثة اتجاهات هي:
1- الالتزام بالمسرح التقليدي في افريقيا وآسيا مثل مسرح الاحتفال الزنجي ومسرح الكابوكي الياباني والكاثاكالي الهندي.
2- التعبير عن الصراع الطبقي كما هو الحال في البلدان الاشتراكية السابقة، حيث حاولت السلطات فيها أن تجعل المسرح كله شعبياً ورواده من مختلف الطبقات .
3- محاولات بعض المسرحيين في اوروبا مثل (غيميه) الفرنسي و(غاسمان) الايطالي وذلك بالتوجه إلى الفئات الشعبية الواسعة. وهناك امثلة اخرى في اميركا مثل المسرح الزنجي ومسرح الشارع ومهرجان نيويورك لمسرح شكسبير ومسرح الخبز والدمى. وفي السويد قام اعضاء فرقة مسرح (لولي) بتقديم عروضهم لعمال المناجم، وفي لندن قامت (جون ليتلورد) بتقديم عروض مسرحياتها في منطقة شعبية معظم سكانها من العمال.
مرة أخرى ماذا يعني (المسرح الشعبي)؟
[post-views]
نشر في: 11 سبتمبر, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...