قبل وقت بعيد من انهيار الموصل، وسقوطها بين براثن داعش، تعالت أصوات وتحذيرات مُدعمة بما يؤكد أنّ داعش وفلول البعث وعصابات الجريمة المنظمة كانت تعبث بأمن المدينة وتجوب في أرجائها بحريّة ، وتوسّع من عمليات الخطف والاغتيال والابتزاز ضد المواطنين، وأنّ شخصيات وأجهزة نافذة وقوىً محسوبة على العملية السياسية تتواطأ معها، مباشرةً أو عبر إشاعة التذمر والاستياء بين السكان حدّ اليأس من إمكانية الخلاص من التعدّيات والتجاوزات والاعتقالات الكيفية والكيدية وبثّ سموم الفتنة الطائفية والمذهبية، وهي ذات المظاهر التي سادت في المدن والحواضر والجهات التي صارت حواضن للإرهاب وسقطت في قبضتيه.
لم تنفع أصوات التحذير وظلّ رأس الحكومة يومذاك، لاعتباراتٍ وتقديرات باتت معروفة اليوم، يتجاهلها، ويستخف بها ويروِّج لادّعاءاتٍ بوجود أيدٍ خفيّةٍ تُضخِّم وقائع فردية وجُزئياتٍ سياسية، قد تكون مفتعلة بالأساس، لتمرير مخططٍ مشبوه مدعومٍ من خارج الحدود لإضعاف الحكومة وإسقاطها!
واليوم ، وبفضل وتضحيات القوات المسلحة والمتطوعين الوطنيين والبيشمركة وقيادة مُبصِرة من رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلحة، أمكن استعادة الموصل وأرأضٍ أخرى ظلت أسيرة داعش لسنوات، ولم يبقَ سوى القليل من الأراضي هدفاً للتحرير وستتحرر من دون أدنى شك عسكرياً.
ويظل السؤال المؤرق: هل تنتهي المواجهة مع داعش، ويمكن محاصرة ظاهرتها واجتثاث جذورها من دون تأمين مناخٍ سياسيٍّ وفكريِّ وتدابير ترتقي إلى مصاف مصالحة مجتمعية وطنية شاملة، بلا معجون المحبّة ومساحيقها...؟
قد يُثير الجوابُ الصريح على هذا التساؤل مزيجاً من المرارة، وبعضَ استنكارٍ من معسكرين متنافرين، معسكر النفاق السياسي المُحتَقِن برهاب الطائفية والتشكيك بكلّ تساؤلٍ مشروعٍ يرى المخاطر مُحدِقَة، ويحذّر من عواقبها ويدعو إلى مواجهتها قبل فوات الأوان، ومعسكرٍ لا يرى في المعركة غير جانبها العسكري والأمني، وتظل أُذناه مفتوحتين على صوتٍ واحدٍ تُخدّره أهازيج الانتصار وهتافات الفتح المُبين، وكأنّ في سمعه وقراً لا يلتقط غيرها.
أصوات مخلصة، ملتاعة باتت ترتفع في الموصل تحذّر من عودة ذات المظاهر من التعديات والاختطافات والاعتقالات الكيدية، والتواطؤات مع عناصر داعش لـ " تُفلتهم" من المعتقلات مقابل رشىً .
أصوات وطنية لا شُبهات حول مقاصدها ودوافعها تؤكد وجود مخابئ وحواضن للدواعش في المدينة، يعرِفُ مواقعها ومكامنها مواطنون يخشون من الإدلاء بمعلوماتٍ عنها خوفاً من الانتقام والملاحقة "المزدوجة".
أصوات تؤكد أنّ وقائع الاستهداف الطائفي، أصبحت ملموسة، وهي تقترن بالاستنفاع منها، وأنّ اوساطاً غير قليلة باتت تتلمّس خطر الدواعش وهي تتحرك في المدينة، وتحاول استعادة حواضنها ليس بمعزلٍ عن تواطؤاتٍ من قوىً عشائرية وأمنية وبعض الأفراد من العسكريين . أصوات لاتختفي وراء أسماء وهمية، بل تُجاهر بموقفها وتؤكد تحذيرها علناً عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي .
فهل هذا نذيرٌ بـ "عودة حليمة إلى عادتها القديمة..؟!"
حتى لا تعود حليمة إلى عادتها القديمة ..!
[post-views]
نشر في: 11 سبتمبر, 2017: 07:01 م
جميع التعليقات 1
سمير طبلة
تساؤل مشروع، بل مسؤول! فهل يسمعون؟ مع الود لكاتبه.