الظهور المفاجئ لأولياء هذا الزمن الرديء، يتّخذ كلّ لبوسٍ غير متوَقَّع. والمتوقَع الوحيد فيه، الرداء الذي يتلفّع به، وهو رداء الإيمان والعِفّة والنزاهة، ومنها وشم السجود واللحية والمسبحة وخاتم الدلالة المذهبية، وفي أحوال مُترَفةٍ "العمامة" البيضاء أو السوداء حسب شجرة النسب الشريف، وما يتلاءم معها من جُبّةٍ ونَعلٍ أو سواهما.
وخلافاً لطهرانيّة الأولياء من كلّ الأديان والمذاهب، منذ ظهور التقوى، يتميّز أولياء زمننا العاثر هذا، وجُلّهم مسلمون شيعة، بالافتراء على الدين الحنيف والمذهب، إلى جانب صفاتٍ لا حدَّ لتلوّنها، ومن علاماتها القدرة على التكيّف والإعجاز في إظهار البراءة ونظافة اليد، وحسّ العدالة والمظلومية. وقد لخّص هذه اللبوس وما يحمله من مسلكياتٍ وطباع، ببلاغته المعهودة، الفقيد الراحل هاني فحص حين سمّاها " أدوات العمل"!
وما أكثر الأدلة على تجاوز الناس لما كان يراودهم من شكوكٍ وهواجس حول صدقية ما يُقال عن هذه الظاهرة ودلالاتها، لكنّ مشهد مواطن جنوبي بسيطٍ مُعدمٍ حدّ الجوع، تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، يفضح ذلك بحدّة بالغة .. يظهر المواطن في المشهد باكياً بلا دموع وهو يُقبِّل حائط بيته صارخاً بلوعة: لم يعد لي غير هذا الحائط أتوسل إليه أن يشفع لي وينقذني مما أنا فيه من هوان ومذلّة. ! ويواصل المواطن تقبيل الحائط شاتماً أولياء الأمر الذين ملأوا العراق فساداً وجوراً وقهراً وظلماً وخراباً وانتهاكاً..
على حين غَرّة وبعد "غيبةٍ" مدروسة، يظهر لنا أحد أولياء العراق الجديد ممن ملأت أخبارعبثه وفساده ومساهمته في نهب المال العام وعقارات الدولة أرجاء البلاد بحيث صار مضرب المثل في القدرة على التلوّن وتصنّع البراءة والنزاهة وامتلاك وسائل الإفلات من الملاحقة والمساءلة.
قد يكون هذا الولي بريئاً، براءة الذئب من دم ليلى، كما هو حال المئات من المتنفذين في العملية السياسية ومنافذ الدولة، لكنّ براءته غير المعلنة جاءت في إطار مسرحية هي نفسها تدلّل على محنة غياب ظِلّ الدولة وتخلّي سلطتها عن دورها ومقامها.
وليس مثار استغراب أن يحتمي أولياء نعمتنا هؤلاء بدول النفوذ الممتد في بلادنا. ولكلٍّ منهم جنسية وجواز سفر وحضانة أجنبية. ولا شفاعة لشعبنا حين يتعلق الأمر بفتح حدود جارةٍ أمام لصوص موالين، وآخرهم محافظ البصرة، ومن كان برفقته، لم يتسلل من الحدود العراقية الإيرانية خِفيةً، بل عبرها في وضح النهار بكلّ تكريمٍ يليق بمن له شفاعة الخدمة وطاعة أولياء الأمر والنعمة.
لكي نعرف سرّ استقواء اللصوص الكبار، وهم جميعاً متنفّذون في الدولة، أو متصاهرون معها، لابدّ من مشاهدة خطبة رجل دين في إحدى الحسينيات نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول فيها بلكنة عراقيّة شعبيّة ما مفاده: لا تعارضوا حكّامكم مهما فعلوا أو سرقوا، إذ يكفيهم أنّهم مكّنوكم من زيارة الإمام الحسين مشياً على الأقدام ..!!
لا ولايةَ في البلاد سوى للمُدَّعى عليه..!
[post-views]
نشر في: 12 سبتمبر, 2017: 06:36 م