درسَ روبرت شومان (1810 - 1856) الموسيقى وهو صغير وبرز بموهبته. لكنه دخل الجامعة في لايبتسج لدراسة الحقوق – وهي المهنة الأكثر احتراماً في اوروبا ذلك الوقت – نزولاً عند رغبة أهله. لم يكن يهتم كثيراً للمحاضرات في الجامعة بل كان يبدي اهتماماً
درسَ روبرت شومان (1810 - 1856) الموسيقى وهو صغير وبرز بموهبته. لكنه دخل الجامعة في لايبتسج لدراسة الحقوق – وهي المهنة الأكثر احتراماً في اوروبا ذلك الوقت – نزولاً عند رغبة أهله. لم يكن يهتم كثيراً للمحاضرات في الجامعة بل كان يبدي اهتماماً أكبر بحضور الحفلات الموسيقية أو كتابة الموسيقى. حتى اللحظة التي تغيرت فيها حياته.
استمع شومان الشاب الى "شيطان" الكمان نيكولو باغانيني (1782 - 1840) خلال حفل قدمه في لايبتسج في عيد فصح عام 1930، فسحره مثلما كان باغانيني يسحر الجمهور ببراعته الفائقة في العزف على الكمان. عندها قرر شومان أنه خلق ليكون باغانيني البيانو. ضاعف من ساعات تدريباته على البيانو وترك الدراسة في الجامعة بعد أن أقنع أمه الأرملة (توفي والده في العام 1826) بذلك. كان يدرس عند استاذ بيانو شهير هو فريدريش فيك، الذي كان مقتنعاً بموهبة شومان لكنه كان يفضل تعليم ابنته كلارا لتصبح أفضل عازفة بيانو في اوروبا. وبالفعل، عُدّت كلارا أفضل عازفة، لكن المجتمع الموسيقي الذكوري كان يتغافل عن ذلك رغم اعترافه الصريح بهذا الأمر. لم ينقص شومان الاندفاع والتصميم على تحقيق حلمه، وأخذ يضاعف من جهوده في الدرس والتمرين. خلال ذلك أحبّ روبرت كلارا ابنة استاذه الذي رفض رفضاً قاطعاً تزويجها له بعد طلبه يدها في 1835، ولم يتمكن الحبيبان من الزواج إلا بصعوبة في 1840.
غير أن مستقبل شومان كعازف بيانو بارع تحطم بعد شلل وسطى يده اليمنى، وتفاقم الآلام في مفاصل يده. عندها "اكتفى" بالتحول الى مؤلف موسيقي. وتقول الرواية الشائعة أنه استعمل جهازاً لتقوية الأصابع (لعله الداكتيليون الذي اخترعه مدرس البيانو هنري هرتز) هو السبب في هذه الاصابة. تقول الروايات أن شومان كان يعاني من العديد من الأمراض، مثل طنين الاذن والدوخة وصعوبة النوم ووجع الرأس والكآبة وخدر الأطراف واضطراب الذاكرة عدا آلام المفاصل، وكان مصاباً بالسفلس. وحتى يعالج الاصابة التي تعرضت لها أصابعه، أخذ يستنشق أبخرة الزئبق وهي طريقة "علاج" شائعة في ذلك الوقت. نعرف اليوم تأثيرات أبخرة الزئبق السامة، منها تحوير الأحماض الأمينية والأنزيمات والتأثير على جهاز المناعة واضطرابات في الامعاء والفشل الكلوي والأهم من كل هذا، التسبب بتغيرات في الجهاز العصبي. وأعراضه التعب وفقدان التركيز وآلام المفاصل والظهر ووجع الرأس والدوخان والضعف العام في العضلات إلخ. وهي كلها كانت من الأعراض التي وصفها معاصروه. ولعلّ البعض منا يذكر حوادث التسمم المتكررة ببذور الحنطة المعفرة بمركبات الزئبق في العراق (1956، 1960، 1972) والتي تشير اليها المنشورات الطبية العالمية فور البدء بالحديث عن التسمم الزئبقي.مات شومان وهو في السادسة والأربعين بعد معاناة طويلة، لكنه ترك لنا أجمل الأعمال وأهمها قطع البيانو والأغاني والسيمفونيات والكونشرتات، وكان أحد أهمّ النقاد الموسيقيين في القرن التاسع عشر، بفضل مجلته النقدية "الصحيفة الموسيقية الجديدة. أثر نشاطه النقدي وموسيقاه على الحركة الرومانتيكية في الموسيقى تأثيراً كبيراً.