كشف في ندوة عقدت في لندن عيوب السياسة النفطية للحكومة العراقية
يؤكد الخبير النفطي العراقي د. حسين الربيعي على أهمية إنشاء شركة نفط وطنية تشغيلية حقيقية مملوكة للحكومة، لكنها تعمل ككيان مستقل، من أجل تحقيق استفادة قصوى من ثروة النفط، ويشدّد ع
كشف في ندوة عقدت في لندن عيوب السياسة النفطية للحكومة العراقية
يؤكد الخبير النفطي العراقي د. حسين الربيعي على أهمية إنشاء شركة نفط وطنية تشغيلية حقيقية مملوكة للحكومة، لكنها تعمل ككيان مستقل، من أجل تحقيق استفادة قصوى من ثروة النفط، ويشدّد على وجوب مقاومة سياسة البيع المفتوح والرخيص للأصول النفطية العراقية المتبعة الآن.
د. الربيعي عرض افكاره في هذا الخصوص في ندوة عقدت أخيراً في لندن نظمتها مؤسسة الحوار الانساني، وقدّم لمحاضرته بمعلومات عن وضع النفط العراقي وآباره واحتمالية استكشاف آبار جديدة مبيناً أن :
• معظم خزانات الاحتياطات البترولية تقع على بعد 10 آلاف قدم تحت سطح الارض
• 30% - 40% تقع ضمن 2000- 5000 قدم.
• معظم إنتاج النفط يأتي من خزانات العصر الطباشيري (76٪) والباقي من الخزانات من عصور أقدم (24٪)، أي إن اغلب النفط العراقي يرجع الى فترات او عصور جيولوجية حديثة، ما يعني انخفاض قيمته.
• يأتي إنتاج صغير جدا (0.1٪) من الفترات الجيولوجية القديمة.
• تبلغ نسبة النجاح في الاستكشافات الحالية حوالي 67٪ من الابار المحفورة التي سنعثر فيها على بترول بكميات اقتصادية، بينما المتوسط العالمي لاحتمالية العثور على النفط تبلغ 10%.
ثم تحدث عن الحقول المشتركة مع دول الجوار والمشاكل التي يواجهها العراق على صعيد الانتاج من هذه الحقول، وأشار على نحو خاص الى مشكلة الالغام غير المتفجرة المتخلفة من الحرب العراقية الايرانية في حقل مجنون ، لكنه يركّز على ما يصفها بـ "مشكلة حقيقة يتم اغفالها أو التغاضي عنها وهي تجاوز الجانب الايراني على الحدود العراقية حيث دخلت حفارات البترول الايرانية بعمق حوالي 3 كم داخل الحدود العراقية في حقل مجنون وتم حفر العشرات من الابار التي يتم استخراج البترول منها، ونتيجة لتفاوضات بين ايران ومنظمة الاوبك تم رفع سقف تصدير البترول الايراني نتيجة تقديم معلومات غير حقيقية من الجانب الايراني حول الاحتياطي الكامن وعدد الابار الايرانية ،بينما لم يتم ذلك بالنسبة للعراق ،وبالتالي فان تطوير حقل مجنون حتى لو تم كما هو مخطط له فان العراق لن يستطيع استخراج الطاقة الانتاجية للحقل بسبب محددات التصدير المفروضة على العراق والتي في حال تجاوزها قد تؤدي الى انهيارات في سوق البترول العالمية".
وبخصوص الاحتياطيات، أشار الى حقول النفط والغاز العملاقة في الصحراء الغربية، والتي لم تتم فيها عمليات استكشاف حتى الان الا بشكل محدود، وكشفت دراسات حديثة اجرتها وزارة الطاقة الاميركية وحملة حفر استكشافية محدودة جدا عن وجود النفط والغاز في معظم الهياكل المحفورة، ويكاد يكون من المستحيل تقدير الاحتياطيات في هذه المنطقة، لكن وزارة الطاقة الأميركية تقدّر ما تحويه الصحراء الغربية العراقية بما يصل إلى 100 مليار برميل ، حيث توجد حقول عملاقة لكنها تقع على أعماق كبيرة جدا ما يعني الحاجة الى استثمارات كبيرة للعمل فيها لأنها من حقب جيولوجية أقدم، لكنها في نفس الوقت تعنى جودة البترول الموجود ايضا .
ولتبيان موقع الثروة النفطية العراقية عالميا ومستقبلها قدّم د. الربيعي المعلومات التالية:
• تبلغ احتياطيات الولايات المتحدة المؤكدة 29.4 مليار برميل، وبمعدلات الإنتاج الحالية 7.6 مليون برميل يوميا، ستستمر هذه الاحتياطيات لمدة 10 سنوات فقط.
• في بحر الشمال، احتياطيات بريطانيا المنقحة 4.5 مليار برميل وقد تستمر لأكثر من 5 سنوات فقط بمعدلات الإنتاج الحالية.
• النرويج، تقدر احتياطياتها النفطية بـ9.7 مليار برميل، وبمعدلات الانتاج الحالية ستسمر حوالي 8.7 سنوات..
• منتجو الأوبك الرئيسيون، السعودية والإمارات والكويت، ينتجون الان بكامل طاقتهم ويتطلبون اكتشافات كبيرة لإضافتها بشكل كبير إلى معدلات الإنتاج الحالية بمعنى عدم امكانية هذه الدول زيادة معدلات انتاجها عن المعدل الحالي.
• احتياطي بحر قزوين على أفضل تقدير 47.5 مليار برميل
• اذا ازداد الطلب العالمي على النفط في غضون السنوات الخمس المقبلة كما هو متوقع ، ما يتطلب إيجاد احتياطيات إضافية من النفط عالميا، وهناك بلد واحد فقط في العالم يمكنه أن يساعد فورا على سد الثغرات في الإنتاج والاحتياطيات؛ هو العراق.
تطرّق د. الربيعي في حديثه الى نقطة مهمة اخرى في موضوع النفط والغاز في العراق ،هي مسألة احتراق الغاز المستخرج من حقول البترول ،لافتا الى أن العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي تتم فيه هذه العملية من الهدر،علما ان هنالك شركات بترول عملاقة تعمل اليوم في العراق ،واغلبها شركات ذات خبرة طويلة في استخراج الغاز الا انها لا تفعل ذلك، ولا أحد يعرف السبب في هذا الهدر. وكمثال اوضح انه يجري حاليا حرق نحو 600 مليون قدم مكعب (17 مليون متر مكعب) يوميا من الغاز من الحقول الجنوبية ، وفقا لما ذكره رئيس شركة غاز البصرة ،وبما ان السعر العالمي هو = $ 3.86 لكل 1000 قدم مكعب، فان ما نحرقه من الغاز في حقول نفط الجنوب وحدها تزيد قيمته عن مليونين وثلاثمئة الف دولار يوميا، اي 850 مليون دولار سنويا ، اي اننا احرقنا منذ 2003 لحد الان ما يزيد عن 10 مليارات دولار دون ان يعلم احد السبب وراء ذلك.
وتحدث د. الربيعي عن عقود انتاج النفط العالمية:
• الامتيازات، حيث يملك المقاول النفط في الأرض.
• اتفاقية مشاركة الإنتاج (PSA )
• اتفاقية إعادة رأس المال بالإضافة إلى الإنتاج المتفق عليه.
• المشاريع المشتركة: حيث تدخل الحكومة في شراكة مع واحد أو أكثر من شركات النفط.
• عقود الخدمة: (النموذج العراقي!)
وعقود الخدمة تتميز بمواصفات هي :
• لا يعطي حق الملكية للنفط أو الأرض
• تكون عادة قصيرة الأجل: 2- 5 سنوات.
• تدفع الشركة رسوما لخدماتها لاستخراج النفط من الأرض
• لا تحسّن محفظة أصول شركات النفط
لذلك نجد ان الشركات الصغيرة فقط هي التي تذهب بأتجاه هذا النوع من العقود في العالم ،لانها عقود غير مجدية بالنسبة للشركات الكبيرة التي تبحث عن عقود يكون فيها الحد الأدنى من استرجاع الاستثمار ( ROR) هو 20٪ ، وتساءل: لماذا إذن جاءت شركات النفط العالمية الكبرى إلى العراق؟.
طرح د. الربيعي تصوره لما يسعى له القائمون على الصناعة النفطية في العراق عبر السؤال: ماذا يحدث إذا وصل انتاج العراق إلى 12 مليون برميل يوميا بحسب التطوير المطلوب من الشركات في عقود الخدمة؟
نفترض أن العراق مسموح له فقط ببيع 5 ملايين برميل يوميا كجزء من أوبك. هذا يعني انه سيبقى 7 مليون برميل يوميا خارج امكانية العراق للتصدير اي تبقى في الأرض.هل هذا يعني أننا ما زلنا ندفع لشركات النفط تعريفة للنفط غير المنتج او النفط في الأرض؟ بالتأكيد نعم ،لان الشركات تحاجج بانها غير مسؤولة عن التصدير وانما عقودها لخدمة الاستخراج والتطوير ،وهذا يعني اذا اعتبرنا :
متوسط عقد الخدمة $ 2 للبرميل (جميع الشركات) ، اذا كان الدفع اليومي لشركات النفط = $ 2 × 12 = 24 مليون دولار يوميا ، يعني 8،8 مليار دولار سنويا للنفط المصدر وغير المصدر بالإضافة إلى التكاليف الإدارية الأخرى ومتوسطها 4 دولارات للبرميل اي 17.5 مليار دولار، العراق يصدر 5 ملايين برميل يوميا فاذا كان معدل السعر 22 دولارا حسب توقعات السوق يكون دخل العراق سنويا 39.6 مليار دولار ،اذن صافي دخل العراق سيكون = 39.6 - 8.8 - 17.5 = 13.3 مليار دولار / سنة فقط. إذن نحن ازاء ما يمكن ان نسميه القنبلة الموقوتة التي ستستمر لـ 25 سنة قادمة اذا لم يحدث الاسوأ.
اختتم د. الربيعي محاضرته بالقول: واجهني الكثير من الشباب في العراق بالاسئلة المحيّرة ،ومنها: اننا الآن نمتلك ثرواتنا النفطية ومن المفروض أن نعيش في ظل نظام ليبرالي يطبق اقتصاد السوق، اذن لماذا لم نحس بأي تحسن في قطاع الخدمات العامة والصناعة والزراعة؟ ماذا كسبنا من ثروتنا النفطية ؟ والحقيقة هي اسئلة محقة ويجب ان نجيب عنها. هنالك خطوات متخلفة تم اتخاذها، ويجب أن يقاومها جميع العراقيين، لان الذين يبيعون الأصول العراقية النفطية ليس لديهم بعد نظر ولا يفهمون صناعة النفط، وعلينا جميعا أن نقاوم هذا البيع المفتوح والرخيص للأصول النفطية العراقية.
لقد اقترحت في عدة مناسبات إنشاء شركة نفط تشغيلية حقيقية مملوكة للحكومة، ولكنها تعمل ككيان مستقل، مثل أرامكو في المملكة العربية السعودية أو أدكو وأدما في الإمارات العربية المتحدة وشركة تنمية نفط عمان في سلطنة عمان.هذه الشركات مستقلة حقا ويمكنها توظيف أفضل المهندسين في بلدانهم والعالم. ولديهم القدرة على تنفيذ اهم الاعمال. ولا تعمل هذه الشركات مثل وزارات النفط العربية العادية، حيث لديهم أيضا شركات الخدمات الخاصة بهم، مع قوة العمل الضخمة التي هي على مستوى عال من الكفاءة ومتعلمة تعليما عاليا، وتدفع لهم رواتب مماثلة للعمال الأجانب، فبدون وجود شركة نفط وطنية حقيقية لن يطور العراق مهندسيه للحاضر والمستقبل، وسيظل يعتمد إلى الأبد على الشركات الأجنبية للقيام بالتدريب وتطوير المديرين والمهندسين في المستقبل.
د.حسين الربيعي
- حصل على شهادة البكالوريوس ودرجة الماجستير والدكتوراه في ميكانيكا الصخور وهندسة الحفرمن جامعة ليدز في انكلترا.
- له اكثر من 36 عاما من الخبرة المتواصلة في صناعة النفط وعمل في عدة لجان ومؤتمرات في جميع أنحاء العالم.
- كان سكرتيرا ثم رئيساً لجمعية هندسة الحفر في أوروبا.
- عمل في عدد من شركات النفط مثل شركة بريتيش غاز، وأدكو الاماراتية، وأرامكو السعودية والعديد من الشركات الاخرى كخبير استشاري.