" تجّار الحروب " مصطلح لا يُقصَدُ به مَنْ ينتفعون بالحروب، صغيرها وكبيرها بمختلف الوسائل، بل كلّ مَن يوظّف الأزمات والفوضى والنكبات والأوبئة التي تتعرّض لها الدول والشعوب، للمتاجرة بها والانتفاع منها، مهما كانت نتائجها وانعكاساتها على الناس.
والطابور الخامس، هو الآخر ليس اصطلاحاً للجواسيس والمأجورين بتقديم الخدمات للعدو الأجنبي، محتلّاً كان أو دخيلاً يريد إلحاق الأذى بوطنٍ مُبتلى، بل يمتدّ مفهومه ليشمل كلَّ مَن يتطوّع بدافعٍ سياسيٍ مُغرض، أو لمنفعة مشبوهة أو عن جهلٍ وضعفٍ وعيٍ بما يُسبّبه مِن أَذًىً لوطنه ومواطنه بتبنّي مواقف وسياسات مشبوهة.
ومِن بين تجّار الحروب، أولئك الذين ينخرطون في حملة المافيات والجريمة المنظّمة لتأجيج الفتن الطائفيّة والعنصريّة وتسعير الخلافات السياسيّة بهدف إثارة الهلع والقلق بين الفئات المستهدفة، وقود الفتن والصراعات ، يُمَهّدُ لهم بركوب الموجة العناصرُ السياسيّة الرثّة من قاع الحياة السياسيّة ، ذووالماضي المدان والحاضر الملوّث . وقد ظهر دور هؤلاء هذه الأيام وهم يتبارون بالظهور في الفضائيّات ومواقع التواصل الاجتماعي لإثارة الكراهية والضغينة، لا ضدّ الكرد الذين يؤيدون الاستفتاء في كردستان، رغم أنّ البعض منهم يشغلون مواقع قيادية في الدولة والبرلمان والقطاعات الاقتصادية، وإنما يستهدفون الكرد جميعاً دون استثناء، وبالأخص الكرد الفيليّة الذين يمتدّ انتسابهم وأسباب عيشهم إلى بغداد ومدن وحواضر أخرى في العراق إلى ما قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة نفسها في أوائل عشرينيّات القرن الماضي!
وفِي كلتا الحالتين، يتعارض مع أحكام الدستور التحريض على الفتن بأيّ لبوس اتّخذه، وإثارة الكراهية وتسعير العداء للكرد، كما لغيرهم من المواطنين، بغضّ النظر عن موقفهم من الاستفتاء، ويقع في باب المساءلة القانونيّة المُشدَّدة والتجريم القضائي. وربما كان الموقف السائب غير المسؤول الذي اتّخذته الدولة في حالات سابقة، خلال سنوات اشتداد المواجهة الطائفيّة، وفِي مرحلة استهداف المسيحيين والإيزديين، مشجعاً المافيات والعصابات الإجرامية الميليشياوية لتواصل ممارساتها اليوم باستهداف الكرد الفيليّة .
ومثلما يرتبط الإرهابيّون بمختلف مسمّياتهم بشبكة متكاملة متعدِّدة المهام، فإنَّ المنخرطين في الحملة الهادفة لتهجير الفيليّة كما حصل للمسيحيين والإيزديين وغيرهم، هم طائفيّون أفّاقون مصابون باللوثة البعثيّة " القومانيّة"، يتشارك معهم تجّار العقارات والمرابون في سوق النخاسة والنافذون في بعض الأجهزة المتواطئة والمجرمون " السيّارة" ممن يلتقطون سُحتَهم الحرام من مثل هذه النفايات. ويندرج في هذا الفريق أولئك الذين ظهروا في الفضائيّات متوعّدين كلّ الكرد بعمليّات الانتقام إذا لم يسارعوا للرحيل إلى كردستان والنوّاب الذين شاركوا في الحملة من داخل البرلمان، من دون استثناء الحكومة التي لم تُصدر بياناً تحذيريّاً لهم تدين فيه الحملة ومَن ساهم فيها ومن يقف وراءها، وتدعو مكتب الادّعاء العام لاستقدامهم للمساءلة .
مكاتب العقارات قد تُستنفر لقطف ثمار حملة التهجير الثانية واستباحة ممتلكات الكرد الفيليّة، في العراق الجديد المحكوم مِن " ملّتهم الشيعيّة" هذه المرة ، بعد مسيرة التهجير الطويلة وأهوال العذاب التي قطعوها في عهد البعث الفاشي .! وقادة التحالف الوطني الشيعي يلتزمون الصمت، والمرجعيّة الشيعيّة العليا في النجف هي الأخرى لا تجد، كما يبدو، أنَّ اتّخاذ موقف هو مما يدخل في باب مسؤوليتها الدينيّة، والحكومة هي الأخرى تكتفي بتلميحات هي أقرب إلى مونولوجٍ داخلي .
بقيت كلمة "نشاز" لا يستقيم الحديث دون قولها: أنّ المستهدفين هذه المرّة ليسوا مسلمين فقط، بل شيعة لم يستردّوا حتى الآن ممتلكاتهم والبعض منهم لم يستطع استعادة جنسيته، ولا حقوقه المهضومة!
ثم يقول العميان إنّ البيئة التي تسود وتتحكّم بالدولة والمجتمع ليست بيئة البعث المُفتَرض أنّه سقط في ٩ نيسان ٢٠٠٣ ..!
من يقف وراء رسائل التهديد ضدّ الكرد الفيليّة ..؟
[post-views]
نشر في: 15 سبتمبر, 2017: 07:44 م